الشعور بالاكتئاب لدى الشباب

هاشم الباججي

نلاحظ الكثير من الشباب في مجتمعاتنا يشعر بالاكتئاب ، لاسيما عند محادثته او من خلال تصرفاته وافعاله ، بالرغم من ان سن الشباب هو سن الطاقة ،وسن تحقيق الذات ، بل وتحقيق المستحيل ، وهذا ما نلاحظه في شباب الدول المتقدمة ، ولكن في بلادنا العربية بالذات ومجتمعاتنا نجد الكثير من الشباب مستسلم فعليا الى الاكتئاب ، وبدلا من ينهض ويفكر ويعمل ، وان يطوف الارض شمالا وجنوبا وشرقا وغربا بحثا عن الامل وتحقيق الذات ، نجده غارقا في همومه ومشاكله ومكرسا همه لحالة الاكتئاب التي يمر بها.

بالرغم من ان الحياة صعبة ، والاصعب هو تحقيق الاحلام بالنسبة للشباب ، لذا يرى الشباب تحقيق الآمال هو شيء مستحيل الحدوث ،نظرا للكثير من مصاعب الحياة ، او الروتين التي تفرضها بعض القوانين والحكومات ، ولرغبتهم في تحقيق ما يرغبونه طبقا لما يشاهدوا في دول العالم المتقدم ، بالاضافة على ذلك ، رغبة الشباب في اثبات الذات وتحقيق الآمال العريضة من النجاح والربح والعمل والعيش الكريم المناسب لهم ، ومع تصادمهم بالوقع تكون المشكلة قد اصابتهم بالفعل فلا يجدوا سوى الاكتئاب ليعيشوا في حالة من اليأس .
ومن بين الاسباب المهمة التي تجعل الشباب مكتئبا هي الحكومات والقوانين والحرية الضائعة في الاوطان لاسيما حرية الرأي والتعبير .. ، في ظل القيود الحكومية الصارمة او العادات والتقاليد البالية لأغلب بلدان المنطقة ،لذا اصبح عند الشاب يقين راسخ بعدم القدرة للخروج من النفق المظلم ، كما لو ان الحكومات خلقت من اجل ايقافه وليست من اجل مساعدته ، ربما يكون الطرفين مخطئين في ذلك ، ولكن الخطأ الاكبر يقع على عاتق الشاب في هذه الحالة ، لأنه لابد من مجاراة الحياة والخروج من انفاقها المظلمة ، حتى وان كانت الحلول داخلية محدودة وضعيفة الا ان الجد والعمل والتفكير افضل من الاستسلام والخنوع والكآبة .
لذا نرى الكثير من شبابنا يعيش في دور الضحية ، والشاب العربي بصورة عامة من اكثر شباب العالم شعورا بأنه ضحية الزمن ، فترى الكثير من الشباب العربي مؤمن بفكرة انه مظلوم ، وان هناك من ظلمه ، ويتعدد اسباب الظلم والظالمين له ، ويصبح في وجهة نظر نفسه ضحية ، يزيد الامر على ذلك انه يعيش في حالة من الاكتئاب ، وكل هذا بلا مبرر ، ومهما حاول البعض من اخراجه من هذه الحالة حتى لو قام بمساعدته ، ربما يفضل العيش في شخصية المظلوم والضحية ويتقن العيش فيها افضل من تحقيق النجاح والتقدم ، فلابد من الخروج من شخصية المظلوم والمضطهد ، الى شخصية المناضل الرافض للفساد والذل والخنوع.
فلابد للشاب من التفكر والتدبير والعمل الجاد والمخلص للوصول الى حالة الابداع والابتكار ، والابتعاد عن حالة الخمول والجمود والاكتئاب وتقديم القوالب الجاهزة ، وعدم الاعتماد بشكل كلي على اسرهم ونفوذها في الوصول الى احلامهم الذين يسعون الى تحقيقها ، فقد يكون الثراء لبعض العوائل سببا مباشرا في تحطيم الابناء من خلال اعتمادهم على ثراء اسرهم مما يبعدهم عن العمل والجد وتحقيق الذات ، فقد تلبي الاسر الغنية لابنائها كل ما يحتاجه بمجرد طلبه دون الشعور بلذة الانتاج والعمل للشيء ذاته ، فهذا في حد ذاته ينتج منه حالة اكتئاب للشخص ، خاصة حينما يرى ان هناك من هو اقل منه ماديا وامكانيات ويعيش سعيد لمجرد انه حقق ما اراد وكسب ثقة المجتمع من حوله ، دون ان يكون لديه كافة الامكانيات التي تتوافر لديه هو شخصيا ، وقد يوّلد هذا شعورا لديه كما لو انه لا يوجد له لزوم في تلك الحياة .
وقد يؤدي هذا الى نفس حالات الاكتئاب التي يمر بها الكثير من الشباب من ذوي الاسر الفقيرة ، لذا ينبغي على الشباب بالاعتماد على انفسهم مع دعم ذوي الشأن لهم بالمشورة والدعم المعنوي ليكونوا مؤهلين للقيام بدورهم داخل المجتمع متباعدين عن حالة الاكتئاب التي يمر بها العديد من الشباب .
ومن الاسباب المباشرة لحالات الاكتئاب هي العاطفة والحب ، فنرى الكثير من الشاب العربي يتأثر بالثقافة الرومانسية والحب، والتي تتوافر في المسلسلات والافلام التي يشاهدها على الفضائيات او بواسطة الانترنت ويبدأ بالأحلام ، فالشاب يبدأ البحث عن فارسة احلامه التي تلبي شهواته ونزواته ـ والشابة تبحث عن فارس احلامها ، ومن ثم يعقد النية على الحب وارتباطه بمن يحب بالجنس الاخر له بدون تمحيص ، ولكن سرعان ما تفشل قصص الحب في تلك الفترة ، بزواج الفتاة من شخص اخر، او لعدم مقدرة الشاب على اتمام حلم الحياة بالزواج ، او لعدم موافقة الاباء بهذه الزوجة لعدم التكافؤ، او لعدم توافر سبل الزواج …، ومن ثم تنتج مشكلة الاكتئاب لاحد الطرفين الفتاة او الشاب ،وهذا نظرا لعدم تحقيق ما اراد من حب جارف ملئ قلبه دون تحقيقه ، فلابد للشباب ذكر او انثى بعدم الانجرار وراء هذه الاحلام العاطفية والتصورات الخيالية التي تبث بها سموم الفضائيات للتأثير على الشباب وجرهم نحو الاحلام الزائفة وبناء قصور في الهواء ، لذا يجب الاعتماد على الحقيقة والواقع والقيم والمبادئ والدين القويم لتسيير حياتنا نحو الافضل وعدم الاستسلام لليأس والاكتئاب ، فالمؤمن والشاب القوي عند الله خير من المؤمن والشاب الضعيف.

نشرت في الولاية العدد 122

مقالات ذات صله