تاريخ الحرم العلوي المطهر

أ.د عبد الهادي الإبراهيمي

الحضرة العلوية المقدسة:
يقع الحرم العلوي أو الروضة الحيدرية أو الحضرة في وسط الصحن تقريباً, وهو مبنى مربع الشكل طول ضلعه 13.30م، وتبلغ مساحته 176.89م2، وارتفاع جدرانه نحو 12.5م يحيط بالضريح الطاهر لأمير المؤمنين عليه السلام(1). وتعلو الحرم القبة التي تستند على أربعة ركائز تحصر بينها أربعة عقود أو أواوين كبيرة مرتفعة تحيط بالضريح المقدس من الجوانب الأربعة.
تقول الدكتورة سعاد ماهر في «مشهد الإمام علي» عن هندسة الحرم ما نصه:(أما منطقة الإنتقال من المربع الى الدائرة التي تقوم عليها الرقبة فتتكون من ثلاثة مقرنصات, المتوسط منها – وهو الذي يقع في ركن المربع- نجد قاعدته الى أسفل ورأسه إلى أعلى، بينما نجد أنَّ قاعدتي المقرنصين الجانبيين – واللذين يقعان في كوشة العقود الجانبية- إلى أعلى ورأسيهما الى أسفل, ومثل هذا الإسلوب لم يظهر في العمارة الإسلامية إلاّ في القرن العاشر الهجري)(2).
وتمتاز الروضة المقدسة بدقة الريازة وروعة النقوش وجمال الألوان، فهي بحق آية من آيات الفن المعماري الإسلامي الرائع, إذ تم تغليف الجدران بالمرايا المبهرة ذات الزوايا المنكسرة والزخارف الهندسية الجميلة, ويؤطر الأواوين الكبيرة للحرم أشرطة من القاشاني المعرّق كُتب عليها بعض السور القرآنية, وتعلوها أبيات شعرية. وتشاهد أرضية الحرم مكسوة بالمرمر الأخضر الفاخر, كما انَّ الجدران مغلفة بالمرمر إلى ارتفاع مترين.
وعن فن التزجيج تقول الدكتورة اعتماد القصيري في «الروضة الحيدرية في النجف الأشرف» ما نصه:(يمثل فن الزخرفة بالمرايا فناً من أبرز الفنون المستعملة في العتبات المقدسة القائمة في العراق, إذ استعمل التزجيج في زخرفة جدرانها وسقوفها, وفن التزجيج بالمرايا يوصف من الفنون التي ابتدعها الفنان المسلم. ومن الصعوبة تحديد تاريخ دقيق لدخول هذا الفن في زخرفة عمارة الأضرحة والذي انتشر في الوقت الحاضر بشكل واسع, وأغلب الظن أن فن المرايا عُرف في نهاية القرن السابع عشر للميلاد وأوائل القرن الثاني عشر للهجرة وبصورة خاصة في العراق وإيران)(3).
وعن تاريخ تزجيج غرفة الحرم العلوي يقول المؤرخ الشيخ جعفر محبوبه في «ماضي النجف وحاضرها» :(كانت الحضرة المطهرة مبنية بالحجر القاشاني ولم توجد فيها هذه المرايا الملونة والنجارة البديعة, وكلها حدثت بعد عصر الشاه صفي وبها انطمس أكثر التاريخ القديم لعمارة الحضرة المعظمة, وأقدم أثر موجود بها أدركته ما هو مؤرخ سنة 1121ه. ولما قلعوا الكتابات المحيطة بالروضة المقدسة من داخلها (العليا والوسطى والسفلى) ذهب هذا التاريخ ولم يعد. هذه ((الكتيبات)) الثلاث كانت من الجص مصبوغة بألوان الصبغ الزائل فأبدلت بالحجر القاشي الثمين الجيد, وكان الباذل لتجديدها رجلاً من أهالي خراسان بسعي الحاج السيد احمد مصطفوي وتم العمل سنة 1370ه…)(4).
ويقول الشيخ محبوبه في موضع آخر من هذا الكتاب: (ويوجد في الحرم من جهة الرأس الشريف في الدعامة التي تكون مقابلة للقبلة بيت تاريخ – يوافق سنة 1204ه- البيت:
قل لمن يسأل عن تأريخها (هي صرح من قوارير ممرد)
وهو تاريخ لوضع المرايا الموجودة عند الراس الشريف قلع مع الزجاج سنة 1368ه ولم يُعد(5).
وتم تجديد تزجيج الحضرة المقدسة على نفقة شاه إيران محمد رضا بهلوي في عام 1370هـ/1951م. وقد نظم عدد من الشعراء قصائدهم التي تؤرخ لهذا العمل ومنهم العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء فقال:
لرضا شاه كم تبدت أياد خالدات مثل الكواكب تزهر
مرقد المرتضى كساه مرايا نيرات من غرة الشمس أزهر
طاء طه الأمين قد أكملتها أرخوا (يدٌ من الشاه تشكر)(6)
ومن الجدير بالذكر قيام السلاطين والملوك والأمراء بإهداء الثريات الفاخرة النفيسة والقناديل المصنعة من الذهب والفضة للحضرة العلوية المطهرة. ففي عام 914ه/1508م أهدى الشاه اسماعيل الصفوي قناديل ومفروشات ثمينة للروضة الحيدرية عند زيارته النجف الأشرف(7). كما أهدى الشاه ناصر الدين القاجاري للحضرة ثريا وقناديل وشمعدانات وتحف في عام 1299ه/1881م, وقد أرَّخ الشيخ صالح التميمي لهذه الهدية بقوله:
أكرمْ بها من ثُريّا قد علت شرفاً لصِنو خيرِ البرايا سيدِ الرُسلِ
على الثُريّا عَلَتْ قدراً ومنــــــزلةً أرِّخ (ثُريّا أميرِ المؤمنينَ علي)(8)
وأهدى ملك حيدر آباد مير عثمان علي خان ثريا بلورية للحرم الشريف تم تعليقها في ليلة عيد الغدير من عام 1354ه/1936(9).
وقد طرأت على أرضية الروضة الحيدرية إصلاحات عدة لعل أهمها ما قام به سلطان الهنود البهرة طاهر سيف الدين في عام1359هـ/1940م إذ تم قلع الصخر القديم ورصف أرضية الحرم وجدرانه بالمرمر الايطالي الصقيل الفاخر, وقد نظم الشيخ حسن السبتي قصيدة بهذه المناسبة وأرَّخ هذا التجديد بقوله:
ألا أنَّ سيف الدين قد زار قبره حوى أرخوا (جاهاً بتبليطه صخرا)(10).
وفي اطار حملة الإعمار الشاملة التي قامت بها الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة لمعالم المرقد المطهر تم تنفيذ كثير من أعمال الترميم والصيانة للمرايا والزخارف لحجرة الحرم العلوي فضلاً عن نصب الثريات الجديدة بإشراف الكوادر الهندسية والفنية في العتبة المقدسة. فقد تم تبديل مرمر جدران الحرم المطهر وأرضيته بالمرمر الأونكس الأخضر, كما تم تبديل الكتيبة القرآنية للأواوين الأربعة. إذ تلخصت الأعمال بقلع الكاشي القديم وإصلاح الجدران وتثبيت مسارات الأسلاك الكهربائية ثم وضع كتيبة القاشاني المعرّق الجديدة التي تضمنت الآيات نفسها المكتوبة سابقاً وبخط الخطاط الإيراني (موحدي). وتم رفع المرايا القديمة بسبب تضررها لذلك تساقط من بعض المناطق الكثير من القطع, وبعد معالجة الجدران تم التغليف بالمرايا الجديدة التي تحمل النقوش والاشكال الهندسية للمرايا السابقة نفسها (11).
وفي يوم 26 ربيع الثاني 1428ه/2007م تم تعليق الثريا الكبيرة فوق شباك الضريح المطهر, وهذه الثريا الثمينة هي بطول ثمانية أمتار وبثلاثة أطواق تحتوي على الكرستال الفاخر ومطلية بالذهب وتم تصنيعها في مدينة مشهد المقدسة(12).
أبواب الدخول للحرم العلوي المطهر:
للروضة المقدسة في الوقت الحاضر ثمانية أبواب ذهبية ثمينة تفضي إلى غرفة الحرم المطهر لسيد الأوصياء عليه السلام من الجهات الأربع. وهذه الأبواب الذهبية هي بديلة للأبواب الفضية القديمة, وتمتاز بجمال الصياغة ودقة الصنعة وهي مملوءة بالزخارف النباتية البارزة ونقش عليها الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والقصائد الشعرية ويبلغ ارتفاع كل منها نحو 3 م وعرضها 2 م.
ففي الجهة الشرقية تم نصب البابين الذهبيين في عام 1376ه/1956م على نفقة الحاج محمد تقي اتفاق الطهراني وبمسعى العلامة السيد محمد كلانتر, إذ كتب في شريط أسفل مصراعي الباب الأيمن من جهة الداخل للحرم ما نصه:(وله الحمد على ما وفقني لتوجيه عواطف الأخ الحاج محمد تقي الاتفاق إلى إنشاء هذا الباب, فاستقبلت دعوتي روحه العلوية فأنفق في سبيله من خالص ماله وأنا الراجي محمد الموسوي كلانتر).
وللعلامة السيد موسى بحر العلوم قصيدة يؤرّخ فيها عام نصب هذين البابين كتبت على إطار الباب الشرقي الأيمن من جهة الداخل للحرم المقدس مطلعها:
أوتيتَ سُؤْلَكَ فاسْتأْنِفْ من العمل يا مَنْ أتى زائراً قبرَ الإمام علي
الى أن قال:
قامتْ على بابِها تدعو مؤرخةً (لُذْنا ببابِ أميرِ المؤمنين علي)
وله رحمه الله قصيدة أخرى خُطت على إطار الباب الشرقي الأيسر من جهة الداخل للحرم المقدس قال في أولها:
أيُّها الراجون للهِ رضى يومَ لا ينفعُ مالٌ وبنونا
الى ان يقول مؤرّخاً:
فعلى اسْمِ اللهِ أرَخّ (وتلوا أدخلوها بسلامٍ آمنينا)
فضلا عن ذلك كُتب على أرضية من الميناء الزرقاء في الجزء العلوي الضيق الفاصل بين البابين قصيدة ثالثة للسيد موسى بحر العلوم واصفاً فيها الصرح البديع للروضة المطهرة إذ يقول:
صرح تكلل باللآلئ والدرر للمرتضى حارت بصنعته الفكر
لن تخرق الأبصار نور جماله ولو استحالت هذه الدنيا بصر
الله أبدع صنعه لطفاً على أيدي الملائك لا على أيدي البشر
هذا النعيم وجنة الخلد التي وعد الكتاب بها وحدّثت السير
تفد الملائك من حظائر قدسها لتطوف حول ضريحه زمراً زمر
لله خير بنيّة قدسيّة دامت مدى الأيام خالدة الأثر
فكأن نور الكهرباء خلالها شهب السماء كأنَّ مرقده القمر
والشمس مصدر هذه الأنوار نور أخي النبي أبي الميامين الغرر
أما البابان الذهبيان للحرم في الجهة الشمالية فقد تمت صياغتهما في إيران وتم نصبهما في يوم الجمعة 18 جمادى الأولى 1432ه/2011م, في حين انَّ الأبواب الذهبية للجهتين الجنوبية والغربية قد تم تصنيعها في النجف الأشرف على نفقة الحاج معين الشيخ جابر جدّي النجفي, وقد نُقش أسفل الباب الأيمن للجهة الغربية ما نصه:(صُنع هذا الباب بمباركة المرجع الأعلى السيد السيستاني, على نفقة الوجيه الكبير الحاج معين الشيخ جابر جدّي النجفي 1433ه). وقد دُونت على عضادات البابين الأيمن والأيسر أبيات من القصيدة الكوثرية الشهيرة للسيد رضا الهندي التي يقول في أولها:
يا من قد أنكر من آيات أبي حسن ما لا ينكرْ
وكُتب على عُضادات البابين في الجهة الجنوبية قصيدة للعلامة الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي مطلعها:
نشيدي وأنت له مطلعُ من الشمس يعنو له مطلعُ
———————-
الهوامش:
(1) دليل العتبة العلوية المقدسة:112.
(2) مشهد الإمام علي في النجف: 170.
(3) الروضة الحيدرية في النجف الأشرف: 76.
(4) ماضي النجف وحاضرها:1/70.
(5) ماضي النجف وحاضرها:1/71.
(6) تاريخ النجف الاشرف: 1/432.
(7) تاريخ العراق بين احتلالين: 3/316.
(8) ماضي النجف وحاضرها:2/328.
(9) جريدة الهاتف: 22/5.
(10) المفصل في تاريخ النجف الاشرف: 2/65.
(11) دليل انجازات قسم الشؤون الهندسية والفنية: 44-46.
(12) دليل انجازات قسم الصيانة: 58.
المصادر:
– دليل العتبة العلوية المقدسة: قسم الشؤون الفكرية والثقافية/العتبة العلوية المقدسة. دار الرافدين, بيروت, 2011م.
– مشهد الإمام علي في النجف وما به من الهدايا والتحف: سعاد ماهر. دار المعارف, مصر, 1388هـ.
– الروضة الحيدرية في النجف الأشرف: اعتماد يوسف القصيري. مطبعة ثائر العصامي, بيروت, 2012م.
– ماضي النجف وحاضرها: جعفر محبوبه. مطبعة الآداب, النجف الأشرف, الطبعة الثانية, 1958م.
– تاريخ النجف الأشرف, محمد حسين حرز الدين: مطبعة نكارش, قم المقدسة, 1427هـ.
– تاريخ العراق بين احتلالين: عباس العزاوي, مطابع بغداد الحديثة, بغداد, 1955م.
– جريدة الهاتف: العدد 22, السنة الأولى, 1354ه/1936م.
– المفصل في تاريخ النجف الأشرف: حسن الحكيم, مطبعة شريعت, قم المقدسة, 1427هـ.
– دليل انجازات قسم الشؤون الهندسية والفنية: إصدار قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العلوية المقدسة, دار الضياء للطباعة, النجف الاشرف, 2009م.
– دليل انجازات قسم الصيانة: إصدار قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العلوية المقدسة, دار الضياء للطباعة, النجف الاشرف, 2009م.

نشرت في الولاية العدد 124

مقالات ذات صله