مساعي الطلقاء واليهود لاغتيــــال نبي الرحمة صلى الله عليه واله وحرف رسالته

جميل ظاهري

تعمد التاريخ الأموي التستر على محاولات الاغتيال التي تعرض لها نبي الرحمة والمودة من قبل أعدائه وأقرب المقربين إليه آنذاك، ومرّ عليها مرور الكرام لعدم فضح أسرار الطلقاء وحلفائهم اليهود الذين لا يضمرون للإسلام والمسلمين سوى الكراهية والحقد والضغينة، وتآمروا على إخفاق الرسالة السماوية السمحاء عبر سنين طويلة قبل بزوغ فجرها المشرق الذي أنقذ البشرية من الضلالة والشرك والقبلية والجهالة، نحو النور والعدالة والمساواة والعلم والمعرفة والتعاون والتآخي التي تفتقدها الأمة منذ رزية الخميس ومؤامرة السقيفة حتى يومنا هذا باستثناء خلافة الامام علي أمير المؤمنين (عليه السلام).

«الاغتيال» مصطلح يستعمل لوصف عملية قتل منظمة ومتعمدة تستهدف شخصية مهمة ذات تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيادي ويكون مرتكز عملية الاغتيال في الغالب أسباباً عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو انتقامية تستهدف شخصاً معيناً يعتبره منظمو عملية الاغتيال عائقاً لهم في طريق انتشار أوسع لأفكارهم أو أهدافهم. ويستعمل مصطلح الاغتيال في بعض الأحيان في إطار أدبي لوصف حالة من الظلم والقهر وليس القتل الفعلي، كاستعمال تعبير «اغتيال الفكر» أو «اغتيال قضية» أو «اغتيال وطن» أو «اغتيال البراءة» وغيرها من التعابير المجازية.
لم تعرف الأمم السابقة انتهاكات صارخة وكثيرة وشديدة للنفس الانسانية كما عرفته «أمة اليهود» ماضياً وحاضراً، بل وأن وحشيتهم فاقت كل التصورات التي قد يدركها العقل البشري، أو تتقبلها حتى النفس المجرمة سوى أتباع أمية الطلقاء الذين أسسوا للمكر والتحريف والتزييف بفكرهم التكفيري يعيثون في الأمة الاسلامية الفساد منذ سقيفة بني ساعدة حتى يومنا هذا؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْيَوْمِ تَقْتُلُ ثَلاثَمِئَةِ نَبِيٍّ، ثُمَّ يَقُومُ سُوقٌ لَهُمْ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ». كيف يمكن لنا أن نتخيل أمة أو قوماً بهذا الجحود والوحشية وقسوة القلب وتحجُّر الفؤاد تفعل مثل هذه المجازر بأنبياء الله سبحانه وتعالى ورسله وأوصيائه، فهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا إن كانوا رسلاً أو أنبياء أو أوصياء أو اناساً كغيرهم من البشر كما جاء وصفهم في القرآن الكريم: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا..) سورة المائدة – الآية 82.
تروي المساند الموثقة أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) تعرض لأكثر من 20 محاولة اغتيال خطط لها اليهود بمساعدة قريش أبي سفيان وأعوانه الماكرين، شارك فيها عديد من كبار الصحابة، ومنها محاولة اغتياله (صلى الله عليه وآله) ليلة المبيت، وفي غار ثور، ومحاولة سراقة بن مالك الجشعمي، ومحاولة أبو جهل (عمرو بن هشام) بإلقائه حجرة كبيرة على رأس الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومحاولة عمر بن الخطاب قبل إسلامه، ومحاولة عقبة بن أبي معيط في غزوة بدر الكبرى، وعدة محاولات في معركة أحد منها محاولة بن أم قنئة وضربه بالسيف على كتفه المبارك (صلى الله عليه وآله)، ومؤامرة يهود بني النضير، ومحاولة رؤساء بني عامر الثلاث، وهم: عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، وجبار بن سلمى بن جعفر، ومحاولة دعثور بن الحارث في اطراف المدينة، ومحاولة فضالة بن عمير الليثي عندما كان الرسول (صلى الله عليه واله) يطوف حول الكعبة.
أما محاولة اغتياله في العقبة فلها حديث آخر، تلك التي شارك فيها كبار الصحابة حسب ما رواه حذيفة قائلا: «هم والله أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، هؤلاء من قريش وأما الخمسة فأبو موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة الثقفي وأوس بن الحدثان البصري وأبو هريرة وأبو طلحة الأنصاري»- رواه الامام أحمد في المسند (5/453)، والطبراني في المعجم الكبير، وفي مجمع الزوائد (1/110-111)، والبزار في مسنده (7/227رقم2800)، والضياء في المختارة (8/220-222رقم260،261) ومصادر متعددة لا يتسع المقال لذكرها جميعاً .
تلك المحاولات كانت قبل أن يتم اغتيال النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله)- وله ثلاث وستون سنة- بمؤامرة «زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم» زعيم خيبر بشاة مشوية مسمومة أدت بحياته المباركة لتلتحق روحه الطاهرة برفيقه الأعلى، كما روى ذلك الصحابي المخلص عبد الله بن مسعود : «لئن أحلف تسعا أن رسول الله قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل، وذلك إن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا» – سيرة ابن كثير ج4 ص 449، ونقلها البيهقي ايضاً، والمجدي في الأنساب، محمد بن محمد العلوي ص6 وفي تهذيب الأحكام 6/1)، وقال الشيخ المفيد: وقبض (صلى الله عليه وآله) بالمدينة مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته (أنساب الأشراف 1 / 576)، وذكر العلامة الحلي شهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسم (السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 449، وأيد الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين مقتل الرسول صلى الله عليه وآله بالسم، ومستدرك الحاكم 3 / 60، ح 4395 / 99 باب المغازي والسرايا)، والبحار، المجلسي 22 / 514؛ و يذكر ابن سعد: فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله المرض فحمَّ وصدع (الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 249، وفي عيون الأثر لابن سيد الناس ج 2 ص 281)، وكانت أم البشر بن البراء قد قالت للرسول (ص): ما وجدت مثل هذه الحمى التي عليك على أحد (الطبقات الكبرى ج 2 ص 236) وهذا النص يثبت بدلالة قاطعة أن الحمى التي اعترت المصطفى (صلى الله عليه وآله) لم تكن حمى طبيعية، وذلك لأنها لم تر مثل هذه الحمى من قبل، وهذه الحمى ما هي إلا من السم الذي جرعوه فقد تغير لونه وحالته؛ ولكن السؤال يبقى قائما: من الذي دس السم لنبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) في آخر أيام حياته؟ هل كان عبر الشاة المشوية التي قدمتها له اليهودية؟ أم أن هناك أيادي اخرى من وراء محاولة الاغتيال الأخيرة التي تعرض لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟!.

نشرت في الولاية العدد 124

مقالات ذات صله