الإمام علي (عليه السلام) رمز العدالة الاجتماعية


الشيخ كاظم النصيري

إن التزام أمير المؤمنين (عليه السلام) وتطبع نفسيته على العدالة – وإن نغّصت عليه عيشه وسلبته الراحة – يُعدُّ من الأسباب التي فرّقت عنه ذوي الأطماع والمناصب، فهو (عليه السلام) أوّل من وضع صندوقاً للشكاوى لمن لا يتمكن الوصول إليه(عليه السلام) أو لا يريد أن يعرفه الإمام وأنّه (عليه السلام) أوّل من فرّق بين الشهود في باب القضاء وأمر بتدوين شهادة الشهود كي لا يتراجع الشاهد أو يغفل أو ينسى شهادته.

لا يخفى أنّ الإمام (عليه السلام) كان يبني الدكاكين في الكوفة ويعطيها للناس مجاناً وبدون أجرة وبهذا فهو قد أعطى للناس في الكوفة المسكن والرزق والماء.
حينما قدّم أمير المؤمنين (عليه السلام) العدالة للمجتمع الإنساني، نجد التاريخ يسجل له هذه المواقف بحروف من نور والى يومنا هذا.
(جورج جرداق: صوت العدالة الانسانية ص51 وما بعدها.).

المساواة وعدم التمييز بين أحد:
لقد ساوى (عليه السلام) في العطاء ولم يميّز طائفة على أخرى وقد كلّفه ذلك كثيراً من الثمن، فمثلاً تأتيه امرأتان إحداهما عربية والثانية أعجمية فالإمام يساوي بينهما في المال والعطاء، فالعربية تعترض وتقول: أنا عربية وهذه أعجمية وأنا أفضل منها لماذا تساوي بيني وبينها؟ فيجبيها(عليه السلام) إنّي قرأت كتاب الله فلم أجد في كتابه فضلاً لبني إسماعيل على بني إسحاق أي لم أرَ فضلاً للعرب على العجم في القرآن.
وموقف آخر لأمير المؤمنين (عليه السلام) مع أخيه عندما دخل عقيل على الإمام وهو في حالة يرثى لها كما وصفه الإمام في بعض خطبه حيث يقول: (والله لقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتى استماحني من بُرِّكم صاعاً… فأصغيت إليه سمعي فظنّ أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقاً طريقتي فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها… وكاد أن يحترق من ميسمها, فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرُّني إلى نار سَجرها جبارُّها لغضبه؟! أتئن من الأذى ولا أئنُّ من لظىً؟)

محاسبة العمال والولاة:
لقد أولى عليه السلام اهتماماً بمكافحة الفساد الإداري بوساطة مراقبته للولاة والعمال وقد أرسل (عليه السلام) رسالة إلى واليه على البصرة يوبّخه فيها لاستجابته إلى وليمة ضخمة، الغني فيها مدعوّ بينما الفقير مجفوّ وجاء في هذه الرسالة:
(أمّا بعد يا بن حنيف! فقد بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبةٍ فأسرعت إليها تُستطاب لك الألوان وتُنقل إليك الجفان وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو… ألا وإنّ لكل مأمومٍ إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بِطمرَيه ومن طُعمه بقرصيه, ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفةٍ وسداد فوالله ما كنزت من دنياكم تِبراً ولا ادخرت من غنائمها وَفْرا…
ولو شئت لاهتديت الطريق الى مصفّى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع.
أأبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داءً أن تبيت ببطنة وحولك أكباد تحِنُّ إلى القدِّ

أأقنع من نفسي بأن يقال: أمير المؤمنين ولا أشاركُهُم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش…)
(نهج البلاغة: د.صبحي الصالح / خ45 / ص416).

الإمام عليه السلام يضرب بالسياسة والمصالح الفئوية والشخصية عرض الجدار عندما تتعارض مع الدين وإن كان بعض المنحرفين يعتبرون العدالة منافية للسياسة ويرون الأرجح تقديم السياسة على العدالة.

نشرت في الولاية العدد 126

مقالات ذات صله