صراع الأدوار مرض يفتك بالأسرة


دعاء فاضل الربيعي

تعّد الأسرة نواة المجتمع الاولى والحاضن الأساس لأفرادها ومصدراً رئيساً للسَّعادة والاستقرار، ومن الصعب أن ترى أسرة مثالية تخلو أجواؤها من المشاكل والخلافات، وقد صنف علماء الاجتماع المشاكل الأسرية إلى عدة تصنيفات أهمها المشاكل النفسية والاجتماعية والمشاكل الثقافية والاقتصادية والصحية وأخيراً مشاكل الأدوار الاجتماعية.
وصراع الأدوار هو أحد الأمراض الاجتماعية التي أولى علماء الاجتماع اهتماما بالغاً فيها لكونها العامل الأساس في زعزعة الكيان الأسري، فقد يعمل على قلب الموازين الأسرية ويجعل الابوين كالمتحاربين يتنافسان ويتقاتلان فيما بينهما من أجل تحقيق الذات، متناسين دورهما الأساس في تكوين اسرة متماسكة و مطمئنة ينعم أفرادها بالراحة والسلام.
ومن هذا المنطلق ارتأينا أن نسلط الضوء في هذا التحقيق على الموضوع ونبحث في أهم مسبباته وتداعياته على الاسرة، وكيف يمكن أن نتفادى خطره بعد أن التقينا بأصحاب الاختصاص وسألناهم جملة من الاسئلة حول هذا الموضوع، لنتعرف على آرائهم حول هذه الظاهرة.

عدم تحديد المسؤولية المناطة بالأبوين
تقول الاستشارية التربوية زينب الوزني: إن أهم الأسباب التي تؤدي إلى صراع الأدوار بين الزوجين هي عدم تحديد المسؤولية بين الزوجين وعدم الاتفاق على أسلوب ونمط معين ثابت في سير حياتهم الزوجية، وحب السيطرة لكل طرف على الطرف الآخر، فضلاً عن عدم التوافق بين الزوجين من الناحية الثقافية والفكرية والاجتماعية، كذلك غياب مفهوم التعاون والتفاهم والاحترام والانسجام بينهما وعدم معرفة الحقوق والواجبات المكلفين بهما كمسؤولين عن العائلة.
وتضيف الوزني: هناك بعد يتعلق بصراع الأدوار: وهو تراكم الأدوار فيما يخص المرأة، وهو ما يترك آثاراً سلبية على مستوى العلاقة الحميمية بين الزوجين، أما بالنسبة للرجل فالأمر يتعلق بانقلاب الأدوار، فحينما تنقلب الأدوار تهتز صورة الرجل عند المرأة، ويكون هناك ضبابية في صورة المرأة، وهذا يؤثر على الرجل سيكولوجياً، ممّا يصيبه بالعجز، أو تكون علاقته عدوانية مع المرأة، تتجلى في صور متعددة من العنف: العنف بوساطة الكلام، والعنف السلوكي، إلى غير ذلك.
أما تأثيره على الأبناء فيكمن في غياب قنوات التواصل بينهما وبين ابنائهم أيضاً، وهذا التأثير يلعب وهذا سيلعب دوراً أساساً في التفكك الاسري، كالتأثير على النمو الانفعالي والاجتماعي لدى الطفل، ويضعف من ثقته بأسرته ووالديه، ويجعله أنانياً عاجزاً عن تبادل مشاعر الحب مع الآخرين ويفقده الانتماء، وربما يدفعه إلى الانحراف والسلوك العدواني.
ويجب أن يتفق الزوجان على أسلوب ونمط حياة معينة لكي يعتمدا عليها بشكل ثابت يحدّدان بوساطة أسس وركائز حياتهما، وبالتالي يحدّدان أدوارهما مع الابتعاد عن حب السيطرة لكي لا يشعر الطرف الآخر بأنّه الحلقة الضعيفة إذ يجب ابتعاد الزوجين عن حب السيطرة والتحكم بالآخر وفرض الأوامر عليه.

عدم التوافق الفكري
وأشارت الاخصائية في علم الأديان الدكتورة فاطمة جمال محمود: إلى أن سبب ظهور صراع الأدوار بين الأزواج يكمن في عدم التوافق الفكري بينهما، مما يؤدي إلى عدم التوافق والانسجام بشكل عام في اتخاذ القرارات التي تخص الأسرة، أما بالنسبة للعلاج أو الحيلولة دون تفاقم هذا الأمر فيكون أساسه الحوار والمناقشة بعيدا عن التفكير بالذات والأنانية من قبل الطرفين، والتفكير بشكل ايجابي، والبحث عن القواسم المشتركة بينهما التي تصب في صالح الأسرة في المحصلة النهائية .

عدم وعي الأبوين بالواجبات المناطة بهما
أوضحت الدكتورة نور نظام الدين الحسني من كلية التربية ابن رشد/ قسم علوم قرآن قائلة: مما لاشك فيه أن الله تعالى منذ أن بدأ الخليقة جعلها قائمة على ركنين أساسين هما الرجل والمرأة فهما يكوّنان أصغر مؤسسة اجتماعية في المجتمع، ونجاح كل مؤسسة مهما كانت صغيرة أو كبيرة قائم على تعريف كل طرف ماله وما عليه، ومن هذا المنطلق نبدأ كلامنا عن أهم الواجبات المناطة على كل منهما والدور الذي، يمثله لأننا بصدد الحديث عن ما يسمى صراع الادوار وهو مصطلح حديث يعبر عن تناوب الادوار بين الرجل والمرأة بسبب تغيرات الحياة وعدم وعي الأبوين بالواجبات المناطة بهما، فمن المعروف أن دور الرجل أو الزوج بمعنى أدق هو النفقة على الزوجة والاولاد وكذا التوجيهات التربوية وغرس القيم الدينية والحفاظ على الأسرة من الضياع .
أما دور الأم المحوري هو التربية الصحيحة، والعناية بالزوج والأولاد، وتوفير احتياجاتهم كافة، وعلاجه التفاهم ووضع النقاط على الحروف، فكل مؤسسة مبنية على بنود اتفاقية وعهود ومواثيق يجب أن ترضي الأطراف جميعها، وكذا لابد من التثقيف المستمر للأسرة المسلمة من اقامة الدورات التوعوية، أو عرض أمثلة من تأريخنا الإسلامي المتمثل بالرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) أو آله الاطهار (عليهم الصلاة والسلام) وهذا الاطار غني بالقيم والمبادئ السامية.

الوضع الاقتصادي والمعيشي
واشارت المرشدة التربوية / زهراء جري فاضل من محافظة البصرة إلى أن الأسباب التي تقف وراء نشوء صراع الأدوار بين افراد الأسرة هو الوضع الاقتصادي، بسبب تدني المستوى المعيشي للأسرة، فيضطر الأب إلى العمل في فترة الصباح والمساء وذلك سبب في غياب الأب عن الجو الأسري مما يؤدي إلى بروز دور المرأة أكثر فتصبح بنظر أولادها الأب والأم في آن واحد .
وإن التفاوت الثقافي بين الزوجين، يكون عاملاً من عوامل نشوء صراع الأدوار، كذلك الأم العاملة والزوج الاتكالي العاطل عن العمل عامل مهم من عوامل صراع الأدوار فيتخذ الأب في هذه الحال دور الأم المربية التي تقضي أمور البيت وتكون الأم هي المصدر الوحيد لتوفير دخل مادي للعائلة، وهنا وفي هذه الحال ينشأ الطفل ولديه اختلال في دور الأم والأب.
ويكمن علاج هذه الظاهرة عند معرفة الأبوين طبيعة المهمة المناطة بهم، فمن الضروري أن يتعرف كل من الزوج والزوجة على واجباته وحقوقه حتى يتحقق التعاون المشترك فيما بينهما، فيتعاضدان في تكوين أسرة صالحة ذات أسس متينة قادرة على تهيئة وتنشئة جيل سليم يسهم في بناء المجتمع.

حصول الأم على وظيفة دون الأب
وعلى صعيد ذي صلة قالت زينب عباس الغزي: إن أحد الأسباب الرئيسة لنشوء مشكلة صراع الأدوار بين الأبوين هو الوضع المادي والمعيشي الذي تعيشه أغلب الأسر العراقية، فمن المعلوم لدى الجميع أن الحصول على وظيفة أو فرصة عمل موضوع لا يتوافر للكل، فمن الممكن أن تحصل الأم على وظيفة أو تعيين بينما يبقى الأب متفرغا غير قادر على الحصول على وظيفة مناسبة، فيبقى جليس المنزل يرعى ويهتم بالأولاد، بينما الأم تكون خارج المنزل في عملها وتسعى لتوفير لقمة العيش، في حينها ومن حيث لا تشعر سوف تكون زمام الأمور بيدها، كونها صاحبة وظيفة تدر الأموال على الأسرة، ومن هنا سوف تتولد بعض الأمور السلبية داخل الأسرة، منها قلة الهيبة والاحترام للأب، وشعور الأبناء بأن الأم هي صاحبة الفضل عليهم وعلى أبيهم وإنها استلمت دورين في وقت واحد، دور الأم والأب معا، وذلك من شأنه أن يولد احترام ومحبة للأم تفوق محبة واحترام الأب، ويمكن تلافي هذه المشكلة بقليل من الود والتعاون ويتوجب على الأبوين أن يعملا جاهدين على إيضاح هذه المشكلة وبيان جوانبها للأولاد، ويبينوا لهم أهم الأسباب التي دعت إلى عمل الأم دون الأب، حتى يتفهموا الامر ويكونون على دراية بما يجري في أجواء بيتهم.
وبعد أن بينت الأخوات جملة من الأسباب والحلول المؤدية إلى نشوء صراع الأدوار والآثار السلبية التي تعود على أفراد الأسرة من وراء هذه المشكلة ،يمكن القول إن مشكلة صراع الأدوار هي واحدة من المشاكل الدخيلة على أسرنا، ويمكن تلافي خطرها بالود والحب كما قال الباري عز وجل في سورة الروم (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(الروم: 21).
فدينُنا الكريم قائم على التسامح والتضامن والتكاتف والمؤازرة في مختلف مواقف الحياة ولاسيما في الأسرة الواحدة، فتراثنا ممتلئ بالأحاديث والروايات التي تساعد على خلق أجواء آمنة مطمئنة ينعم أفرادها بجو من السعادة والراحة الابدية، فعن امامنا الصادق (عليه السلام) انه قال: (أيما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق الله عنها سبعة أبواب النار وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيها شاءت) (ميزان الحكمة: ٢ /١١٨٦).

نشرت في الولاية العدد 126

مقالات ذات صله