أنوارٌ تتلألأ في سماء شعبان

محمد مهدي بدري
شهر شعبان المعظم بما ينطوي عليه من معانٍ عبادية، وتتجلى فيه منح وهبات إلهية كريمة فهو شهر النبي (صلى الله عليه وآله)، الداعي إلى الحق والدال على الخير، الذي جرت على يديه البركات والفيوضات بألوانها على أمّته المرحومة.
فربُنا الوهاب الرزّاق أسدل نعمه ظاهرةً و باطنة على عباده بلا سؤال، والمتفضل الذي يعطي من سأله، ومن لم يسأله، ولم يعرفه تحنناً منه ورحمة.
يَنعمُ المؤمن والكافر و المطيع والعاصي برزقه وعطائه الذي لا ينفد.
ومن كريم منحه وجليل عطاياه أن اختار لعباده صفوة وخِيَرة منهم اختصهم بألطافه واصطنعهم لنفسه، إذ عرفّهم نفسه ودلّهم عليه، حتى صاروا أئمة الموحدين وخلاصتهم، وجعلهم أدلاء خلقه إليه، وعرفاء السالكين نحو ساحة القرب الإلهي، الراجين رضا معشوقهم والفوز بمواهبه الجزيلة.
وفي شهر شعبان المبارك تتجلى عطايا الرحمن بأجمل صورها، فتشعُّ أنواراً متتابعة ونجوماً يُستدلُ بها إلى سبيل البر والفضيلة.
إذا كان في كل شهر يبزغُ بدرٌ فقد بزغت في هذا الشهر خمسة بدور،ٍ و يالها من بدور زيّنت الكونَ بجمالها و حسنها، فما أجمل هذه الأيام و ما أروعها، حيث البهجة والسرور تعمُّ قلوب المحبين في كل مكان من هذه المعمورة.
أول هذه الأقمار سبط النبي (صلى الله عليه وآله) وحبيبه وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة، وثالث أوصياء المصطفى(صلى الله عليه وآله)، الحسين بن علي(عليهما السلام).
شعَّ نور ولادته في الثالث من شعبان من السنة الثالثة للهجرة في أشرف بيت، بيت تشرّفت بخدمته ملائكة الرحمن، وتنزلت فيه آياته, فكان جبريل(عليها السلام) تاليها، وخير الخلق متلقيها.
ربُّ البيت أحمد (صلى الله عليه وآله )، سيد الثقلين والخلق جميعاً، أمّا والده فهو سيد الأوصياء، و أمير النحل، ويعسوب الدين، وإمام المتقين، ذاك عليٌّ أمير المؤمنين(عليه السلام).
وماذا نقول في أمّه سيدة النساء، و بضعة المختار، و زوج حيدر الكرار، أم سيدي شباب أهل الجنة، تلك هي الحوراء الإنسية فاطمة الزهراء المرضية(عليها السلام).
بمولد الإمام الحسين(عليه السلام) اكتملت هذه الأسرة الإلهية السماوية التي خُلق الكون من أجلها، والتي حباها الله بلطفه وكرمه و عنايته العامة والخاصة، وقد توّج الباري عزوجل هذه العناية بهذه الآية المباركة حيث قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(33/الأحزاب).
وحين رأى هذا المولود النور و خرج إلى هذه الدنيا حتى بدأت مرحلة جديدة من حياة هذا البيت الطاهر، حيث ترعرع في بيت أذن الله أن يُرفع ويُذكر فيه اسمه، وكان دوره (عليه السلام) من أصعب الأدوار التي مرَّ بها أئمة أهل البيت(عليهم السلام).
أمّا تسميته فكانت من السماء، نعم إنّه الحسين(عليه السلام) الذي سيعيد للإسلام مجده التليد، ويسقيه من دمه الزاكي، فما كان من عليٍّ وفاطمة (عليهما السلام) ليسبقا رسول الله في تسمية المولود الجديد، وما كان لرسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يسبق ربَّ العزة في تسميته هو الآخر، فهبط جبرائيل (عليه السلام) ليخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن الله تعالى يخبرك أن تسمي هذا الوليد حسيناً، و قد أخذ الحسين (عليه السلام) مأخذاً كبيراً من قلب رسول الله(ص)، فكان يحيطه بعنايته، ويلقمه من لسانه و إصبعه ليتغذى من هذا الجسد الطاهر، ليس لأنّه ابن بنته، وإنّما لما لهذا المولود من مكانة عالية و رفيعة عند الله، يعرفها أهل السماء أكثر من أهل الأرض.
وكان هذا الشهر وعاءً زمنياً لتُسجّل فيه تواريخ ولادة هؤلاء الأئمة(سلام الله عليهم أجمعين) ففي هذا الشهر رأى الإمام زين العابدين النور كذلك، ولكنّ الدنيا بل الكون بأسره هو من رأى النور بنور قدوم هذا الإمام الذي كان مكمّلا لرسالة أبيه الحسين(عليه السلام)، ليثبّت دعائم الإسلام ومفاهيمه و قواعده.
وكانت في هذا الشهر أيضا ولادة أبي الفضل العباس(عليه السلام) – هذا البطل الهمام الذي عجزت عن مبارزته الأبطال – وتوّجت ولادة صاحب العصر والزمان(عج) أيام هذا الشهر المبارك والذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجورا.
وكانت في هذا الشهر ولادة فلذة كبد المصطفى وقلب الإمام الحسين(عليه السلام) عليّ الأكبر(عليه السلام) وذلك في الحادي عشر من شهر شعبان المبارك، هذا الشاب الذي لم يألُ جهداً في نصرة دين جده المصطفى وكان يُدخل السرور على قلب الإمام الحسين(عليه السلام)، هكذا حفِل هذا الشهر بهذه الولادات الميمونة لتنعم الدنيا بهم و تزدهر الأفنان بعطرهم وتخضرُّ الفيافي والوديان ببركتهم … ونحن إذ نعيش هذه الأيام نرفع أكفَّ الدعاء لتعجيل فرج صاحب العصر والزمان(عج) و أن لا يفرق الله بيننا وبين ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام) طرفة عينٍ أبدا…

نشرت في الولاية العدد 127

مقالات ذات صله