حـب الشهوات


هاشم محمد

إن ميل النفوس إلى الشهوة لا يكون عاراً او سُبَّة وإنما هو سنة في الخلق، ولا هي ممَّا يعاب عليه بين الناس ولاسيما الشباب، وفطر الله العباد على حب الشهوات عموما، وشهوة الميل إلى الجنس الآخر خصوصا، وهو ما ذكره الله تعالى في القرآن الكريم (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ) (آل عمران(14:، غير أن هذه الشهوات والميل لها لا يبيح للإنسان التعلل به لفعل الفاحشة أو لإدراك الشهوة بوساطة طريق محرم..

لأن الله تعالى أخبرنا أن دفع هواجس الشهوات ومقدمات المعاصي والسيطرة عليها ليس بالأمر العسير، بل هو داخل في تكليف العبد وإلا كان الأمر به من قبيل العبث وتكليف ما لا يقدر عليه.. والله تعالى نفى ذلك بقوله سبحانه (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ وُسْعَهَا) (البقرة: 286)، وإنما تتمرد الشهوة على صاحبها وتطوِّعه لها حينما يعرض نفسه لدواعيها، وينأى بنفسه عن معالم الطريق الذي رسمه الشارع المقدس للتعامل معها، وهذا ما يجعل الأمر بالنسبة إليه عسيراً.
قد يتفق الكثير أنه لم يشهد عصر من العصور انتشار الشهوات وسهولة الحصول عليها.. وتيسير الوقوع فيها مثل ما حدث في عصرنا هذا.. وإذا كنا نتكلم عن انتشار هذا البلاء عموما فإن نصيب الشباب من التعرض له لا شك أكبر من نصيب غيرهم، ولاسيما مع قلة الوازع الديني الناتج عن عدم نشر الوعي الديني والأخلاقي، وكذلك زيادة البطالة وصعوبة إيجاد فرص العمل، مما ارتفع بمتوسط سن الزواج ارتفاعا مخيفا، وهذا ما حدا بطائفة كثيرة أو سول لها أو يسر لها أو اضطرها أحيانا لتكون صيدا سهلا وفريسة قريبة المنال للشهوات.
وهذه القضية تنعكس على حقل الدعوة والتربية، إذ أن جهد المربين لا بد من أن يُركز على الشباب وتربيتهم على الصلاح والعفة والاستقامة.
ولمعالجة هذه القضية الخطيرة ينبغي ألاّ تهولها كتهويل بعضهم ونكون في ضمن قائمة العاصين واليائسين أو نهونها لنفتح باب التساهل ونهوّن عليهم المعصية، فلابد من الأخذ بالأمر الوسط دائما.
والشهوات على اختلاف أواعها من شهوة الجنس أو شهوة الأكل والشرب أو شهوة النظر أو شهوة السماع أو الكلام أو شهوة حب السيطرة وحب الرياسة وغيرها الكثير ، لكل منها علاج خاص قد رسمه الشارع المقدس والتربية الصحيحة والتنشئة الاجتماعية، والمهم هو الأسلوب والطريقة التي نتعامل بها مع الشباب لإفهامهم الحقيقة والهدف من الشهوات وكيفية استعمالها بالطرق التي أباحها الله لتكون ذا فائدة على النفس والمجتمع ، ويضرب لنا رسول الإنسانية النبي الأكرم (صلى الله عليه واله) مثلا غاية في الرقة والدعوة بالحسنى الى طريق الأصلاح والهداية عندما جاءه شاب قد بلغت شهوته ذروتها .. ، فعلم منه الرسول (صلى الله عليه وآله) ذلك ، وعلى الرغم من طلبه المخالف للشريعة والآداب لكن الرسول تعامل معه بتربية سليمة دون زجر او غلظة، فقد روي أن فتى من قريش أتى (النبي صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله! ائذن لي في الزنا. فأقبل القوم عليه وزجروه ، فقالوا: مه مه.، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) للشاب: ادنو ، فدنا منه قريبا فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك ، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك ، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم ، قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك ، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم ، قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك ، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم ، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصّن فرجه ، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
إن هذه الحادثة لجديرة بالدراسة والتمعن في كيفية معاملة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لهذه الحالة الخطيرة ، لذا على المربي سواء أكان فردا أم جماعة ، رب عائلة أم مؤسسة أن يلتفت إلى كيفية التعامل مع الشباب وتوجيههم الوجهة الصحيحة لسد منافذ الشهوات بوساطة دفع الخواطر والأفكار؛ فإن الخاطرة تولد الفكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا يمنعه أي مانع من الانجراف وراء الشهوات، ومن أهم الأبواب أيضا الإرشاد إلى أهمية الصحبة الصالحة، والتحذير من تبعات مصاحبة أصدقاء السوء.
وكذلك التعامل مع الشهوات أيا كانت مادية أو حسية على وفق الضوابط الشرعية، ولاسيما مع النساء ومنها مثلاً: عدم المصافحة، وعدم الخلوة، وترك الكلام لغير حاجة، فإن التساهل في هذا يجر إلى متاعب وعواقب غير محمودة.
ولا بد من الاستعانة بالله وكثرة الابتهال والدعاء إليه أن يصرف عنك السوء فهو من وراء قلب الإنسان وعقله وفكره وبصره.. اللهم حبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان.

نشرت في الولاية العدد 127

مقالات ذات صله