رسالة الحقوق مدرسة الإنسانية الخالدة

هشام أموري

اتحفت مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) المجتمع الانساني منذ بزوغ نور الإسلام في المعمورة بكثير من القوانين والتشريعات والأحكام الدينية والآثار التربوية والأخلاقية التي أسهمت بشكل كبير في تقويم المجتمع وانتشاله من واقع الجهل والظلام الذي ساد في نفوس البشر.
من هذه الآثار ما وصل إلينا من رسالة الحقوق التي تعّد مدرسة متكاملة المعاني و منهجاً للأخلاق والتربية التي تعيد بناء الإنسان المسلم وفق المبادئ التي استمدت من بيت آل محمد(صلى الله عليه وآله) بما تحتويه من افكار تنقي الروح وتطهرها من الشوائب والأمراض النفسية.

هذه الرسالة للإمام زين العابدين(عليه السلام)، رويت بطرق حديثة متعدَّدة ومعتبرة، أبرزها طرق أبي حمزة الثمالي(رض) تلميذ الإمام الخاص، وقد رواها عنه الشيخ الصدوق في (الخصال) والشيخ الكليني فيما أفاد السيد علي بن طاووس في (فلاح السائل) والحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني في (تحف العقول).
هذه الرسالة بفقراتها وموادّها تشتمل على خمسين حقاً إنسانياً وحقاً عاماً وخاصاً ومشتركاً بينهما. ويمكننا تقسيم هذه الحقوق بحسب عائديتها إلى جملة من الموضوعات كالآتي:
أولاً: حقوق النفس والجوارح، وتشتمل على الفقرات الآتية: (حق الله على العباد، حق النفس، حق اللسان، حق السمع، حق البصر، حق اليد، حق الرجلين، حق البطن، حق الفرج).
ثانياً: حقوق الأفعال، وتشتمل على الفقرات الآتية: (حق الصلاة، حق الحج، حق الصوم، حق الصدقة، حق الهدي).
ثالثاً: حقوق الدولة ونظام الحياة، وتشتمل على الفقرات الآتية: (حق السلطان، حق المعلم، حق السائس بالملك، حق الرعية، حق المتعلمين، حق الزوجة، حق المملوك).
رابعاً: حقوق الأرحام والولاء، وتشتمل على الفقرات الآتية: ( حق الأم، حق الأب، حق الولد، حق الأخ، حق المنعم بالولاء، حق المولى).
خامساً: الحقوق الاجتماعية، وتشتمل على الفقرات الآتية: (حق صاحب المعروف، حق المؤذن، حق إمام الجماعة، حق الجليس، حق الجار، حق الصاحب).
سادساً: الحقوق المالية والقضائية، وتشتمل على الفقرات الآتية: (حق الشريك، حق المال، حق الغريم، حق الخليط، حق المدّعي، حق المُدّعى عليه).
سابعاً: الحقوق الإصلاحية المشتركة، وتشتمل على الفقرات الآتية: ( حق المستشير، حق المشير، حق المستنصح، حق الناصح، حق الكبير، حق الصغير).
ثامناً: الحقوق الأخلاقية الإستراتيجية، وتشتمل على الفقرات الآتية: (حق السائل، حق المسؤول، حق من أدخل السرور، حق المُسيء، حق أهل الملّة، حق أهل الذمّة)(1)
رسالة الحقوق، رسالة ربّانيّة لطالبي النجاة. وهي واحدة من المفاتيح التي يفتح بها المؤمنون أبواب رحمة الله، ويسلكون بها إلى رضوانه، فيها من المواعظ بمقدار ما فيها من المناجاة، وفيها من التشريع بمقدار ما فيها من القواعد، انها رسالة بيضاء من كلّ سوء، خالية من كل عيب بريئة من كلّ آفة.
ومن يختلط دمه بقواعد هذه الرسالة، لن يعدم التوفيق للأعمال الصالحات، ولن يضيّع عمره في الترّهات، ولن يتيه يوماً في متاهات الحياة؛ لأنها تعلّمه الغاية والطريق، وترشده إلى الهدف والوسيلة، وتهديه إلى الخير والفضيلة، وهي بعد، تزكّي روحه، وتجلو قلبه، وتسدّد رأيه، وترشد عقله، وتجعله صورة مصغّرة عن صاحب الرسالة.
حقاً إنّ رسالة الحقوق هي من منابع المعرفة، ومصادر العلم، ومدارس التربية، ومناهج الأخلاق، وذخائر البلاغة.. فهي الصحيفة التي بها ثلاثة أبعاد، بُعد رباني، وبُعد رسالي واجتماعي، وبُعد إنساني، وهي ذات وحدة متلازمة متماسكة.(2)
رسالة الحقوق للإمام علي زين العابدين (عليه السلام) يفيض بها الوجدان روعة وجلالا، ويمتلأ، بها القلب طمأنينة وإيمانا، وتثير في الأسماع بهجة ورضا، وتحرك في النفوس عواطف وأحاسيس، وهي لعمري رائد الفكر الإنساني، وسجل المعرفة. وفوق ذلك كله إنها وسيلة لفهم الإنسان نفسه وما فطرت عليه من مواهب ونزعات. وهي كذلك مقومة الأخلاق ومقدرة القيم، والمشرف الأعلى على جميع منازع الناس وتطوراتهم في علومهم ومعارفهم وسلوكهم، وسائر اتجاهاتهم العقلية والسياسية والاجتماعية.
إنها (رسالة) تهدي للتي هي أقوم، في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله. فإذا هي مشدودة إلى العروة الوثقى التي لا تنفصم، متطلعة إلى الأعلى، وهي مستقرة على الأرض، والعمل بها عبادة متى توجه الإنسان به إلى الله، ولو كان هذا العمل متاعا واستمتاعا بالحياة.
إنها (رسالة) تهدي للتي هي أقوم: في علاقات الناس بعضهم ببعض، أفرادا وأزواجا، وحكومات وشعوبا، ودولا وأجناسا، تقيم هذه العلاقات على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي والهوى، ولا تميل مع المودة والشنآن، ولا تصرفها المصالح والأغراض. إنها (رسالة تهدي للتي هي أقوم: في عالم الضمير والشعور بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من عقال الوهم والخرافة، وتوجه الطاقات البشرية الصالحة إلى العمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون والطبيعة ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق. إذن هي سياج حقوقنا كلها، بل هي من أهم أركان الرقي والعمران والقانــون.(3)

1- الأمام زين العابدين القائد… الداعية… الإنسان، الدكتور محمد حسين علي الصغير، ص237
2 – الإمام زين العابدين صاحب الصحيفة الربانية وحامل الآلام المضيئة، هادي المدرسي، ص85
3- شرح رسالة الحقوق – الإمام زين العابدين (عليه السلام) – ص 11 – 12

نشرت في الولاية العدد 132

مقالات ذات صله