اتحاد الأدباء .. مسؤولية الإبداع وبنيته التحتية


م. م رضاء الحكيم
تنشأ الاتحادات والمنظمات والنقابات لأهداف تضعها في ديباجة قانون تأسيسها الذي يحدد نظامها الداخلي واللوائح والتعليمات التي ترسم شكل العلاقة بين الأعضاء داخل هذا التنظيم المدني المتحضر فضلا عن العلاقة بين أعضاء الهيئة الإدارية وأعضاء الهيئة العامة، ويكون هذا القانون بمثابة دستور يحدد غائية هذا التجمع النوعي لعدد من الأشخاص الذين تجمعهم صفة أو عمل أو موهبة مشتركة، كنوع المهنة وخصوصيتها أو الصفة الإبداعية أو نوع الواجب الاجتماعي أو الانساني أو الاقتصادي… الخ، وقد يتعدى هذا التنظيم الى خليط تجمعه قواسم مشتركة، ومن هذه التنظيمات، اتحاد الأدباء والكتاب ـ موضوع المقالة ـ حيث يشترك الأعضاء بموضوع الإبداع الأدبي، كالشعر بشتى أنساقه وكتابة القصة بأشكالها المتعددة والرواية والنقد الأدبي بكل اتجاهاته ومدارسه ومذاهبه فضلا عن الكتّاب الذين يتناولون الأدب وما يحوي من مجالات إبداعية، نتاجا وشخوصا ودراسات أكاديمية بحثية أو نقدية.
العدل في الرعاية والتنظيم
ومن المنطقي أن تكون هذه التنظيمات قد وجدت لخدمة هؤلاء الأعضاء بعد لمّ شتاتهم فيه، للاهتمام بهم ورعايتهم، لتطوير وإغناء قابلياتهم الإبداعية من خلال خلق تقارب مثمر، ومن خلال العمل التنظيمي المدروس الذي يراعى فيه بناء علاقات إيجابية من قبل الهيئة الإدارية مع أعضاء الهيئة العامة، فضلا عن تمتين تلك العلاقة بين الأعضاء المنضوين تحت هذه الخيمة الراعية لهم، كما يكون لاتحاد الأدباء والكتاب دور في طبع النتاجات الإبداعية لأعضائه لإيصالها الى مناطق الضوء والشهرة والنجومية بشكل عادل بين الأعضاء بعيد عن المجاملات والمحسوبيات والاتفاقات الجانبية البعيدة عن النزاهة والخلق القويم والقيم التي يجب التمتع بها من قبل المبدع المثقف والإدارة التي تأخذ بيده، في وقت يمارس فيه دور المتصدي وقائد الفكر والنموذج الانساني الراقي القادر على خلق وعي وقناعات جماهيرية مؤثرة في عموم الحياة وتجاذباتها في كل الميادين، ومن الطبيعي أن يكون الحكم والمقيّم لتلك النتاجات هو الجمهور المتلقي والناقد المختص، وبالتالي فان مهمة إظهار الأعضاء المبدعين ستكون وفق مبدأ العدل وتكافؤ الفرص، وذلك من خلال زجهم في المهرجانات والأمسيات المحلية والوطنية والدولية لإغناء تجربة الجميع بوضعهم على المحك مع مستويات مختلفة من نتاجات المبدعين وعلى مرأى مباشر مع الجماهير، فلا تكون تلك الترشيحات حكرا على عضو دون آخر كما يحصل في واقع الأمر وفي كل الأوقات والأماكن وعلى مر السنين، بحجة تمثيل الأفضل لفروع الاتحاد، وهو عذر غير مقبول كونه يحرم باقي الأعضاء من هذه التجربة الغنية بالحضور فضلا عن إمكانية اختيار عضو من المتميزين إبداعيا ليُسَد به هذه الذريعة مع عدد آخر من الأعضاء الذين يستحقون المشاركة وبشكل دوري، والذين قد يخرج من بينهم بعد منحه تلك الفرصة مبدع قد يحقق ما لم يحققه أحد قبله، فنكون بذلك قد دعمنا ذريعة التنافس وإثبات التفوق، وحققنا بذلك كل الأهداف، ويكون الاتحاد قد راعى أسباب وجوده وعدالته، وارتقائه الذي تجسد بارتقاء أعضائه الذي اكتسبوا ما لا يمكنهم اكتسابه لو بقوا مجمدين مهمشين مقصيين، وهم بكليتهم في واقع الأمر نخبة في المجتمع تتمتع بشعور مرهف وحساسية مفرطة تجاه المواقف والتصرفات، ما ينعكس جفاءً وابتعادا عن الاتحاد ونشاطاته في تلك الممارسات الظالمة، كما نرى ونسمع، فضلا عن تهشم أواصر اللحمة بين الأعضاء أنفسهم، وبينهم وبين إدارتهم، التي كان من المفترض انها تمثلهم كلهم بلا استثناء أو شرط، وان من الأمور اللافتة للنظر هو الحملات التي يمارسها هؤلاء المحتكرون للمنصات ومواقع الصدارة لتكريس التهميش والتصدي من موقع أناني بغيض يخلو من أي خلق سامٍ أو شيمة تليق بالمتصدي الفعلي إبداعيا، القائد للرأي الجماهيري والمحرك له، المثقف الغيور على هذا الانتماء السامي، الذي كان من المفترض تجرده من تلك النوازع الدونية بأخذ حق الآخرين في امتلاك حق التجربة في الخوض بغمار التحدي والتنافس الأدبي الشريف في أجواء تشحذ الهمم والأحاسيس وتستحضر روح الإبداع في ممارسة فعلية حقيقية بالحضور الإبداعي، وما نراه من تجمعات لبعض الأعضاء يستحضرون بها ما يخجل منه حتى الرعاع الجهلة كقاسم مشترك يؤمن لهم علاقات بينية بعيدة عن الأدب ومسؤوليته تجاه الانسان والوطن، بل لربما تكون مما يكرّس التنافر والتنابز والمثل السيء أمام عموم الناس فضلا عن الوسط الأدبي الإبداعي، فضلا عن أن هناك الكثير من النشاطات التنافسية التي تخدم هذا الغرض كالمسابقات التي تجري على قدم وساق وفي أماكن وأغراض عديدة.
أهداف ومؤهلات واختلاف
ان من المسؤوليات الجسيمة والأكثر أهمية لاتحاد الأدباء والكتاب العراقي هو الاهتمام بالنشء المبدع والطاقات الجميلة التي خنقتها قباحة أزمة الضياع والشتات في وطن يعيش محنة تلو المحنة في كل مفاصل الحياة، فاحتضان هؤلاء المبدعين ورعايتهم وضمهم الى أسرة العضوية النخبوية هذه ووفق الشروط المعمول بها، أو من خلال زجهم بنشاطات فروع الاتحاد دون محسوبية أو غرض خاص حتى يتأهلون لاكتساب عضوية الاتحاد ، فإنما هذا الأمر يعد من المهام الوطنية الكبرى والإنسانية ذات القيمة العليا، ذلك ان هؤلاء المبدعين في واقع الأمر ثروة وطنية وإنسانية لا تعوض، وإن هذه الشريحة المبدعة هي نعمة من ألله تعالى، يحقق بها ارتقاء الأوطان وعلوها وضمان لقيمها العليا في مجالات الحياة الكريمة المتحضرة، فيكون التفريط بهم خيانة للوطن والقيم الفاضلة والانسان الذي ننتمي لرقيه، ويتعدى هذا الموضوع الى القصد في عدم الالتفات الى شريحة المبدعين غير المنضوين للاتحاد الى رجال إبداع تؤهلهم إمكانياتهم الأدبية على الاشتراك في هذا المشروع الإنساني الراقي، وان التضييق على انتماء هؤلاء من الأمور التي لا أجد لها عذرا، سوى بعض الميولات والدوافع الذاتية أو الاصطفافات الحزبية، وهو أمر معيب على أهل الثقافة والأدب وشرط الانفتاح المتحضر على كل التوجهات والآراء، بل وحتى المخالفة منها لمن يقف بالصدارة والقيادة، وما نراه من ممارسات تحتكر الثقافة والأدب وكأنها الوصية على النتاج الإبداعي وتوجهه الأيديولوجي من قبل هذا وذاك، وبشتى الوسائل والطرق، الانتقائية والتحشيدية، أو من خلال زج بعض النشاطات والتوجيهات والقرارت الحزبية الى حياة وعلاقات ونشاطات الاتحاد الداخلية. كما حاول بعض المتصدين لإدارته الى جعل الاتحاد حديقة خلفية للمؤسسات الأكاديمية والجامعات، وذلك بالتقرب زلفى للأساتذة الأكاديميين ومنحهم العضوية دون وجه حق لافتقارهم الى المنجز الابداعي، أو أن نتاجهم لا يرتقي لمستوى منح العضوية، كل ذلك لمصلحة شخصية ينال من خلالها تسهيلات الحصول على الدراسات العليا أو نيل الزمالات والمنح الدراسية بوساطة هؤلاء الأساتذة الذين ارتضوا لأنفسهم أن يجاروا هذا العطاء دون استحقاق.
البنية التحتية للإبداع
ان رعاية أعضاء الاتحاد من قبل الإدارات المنتخبة فيه لا ينكفئ في حدود ممارسة العمل الإبداعي في إطار النتاج الأدبي فحسب، بل يتعدى ذلك كبنية تحتية لرعاية النخب الاجتماعية وقادة الرأي، ونحن نعلم انها تكون من مسؤولية الدولة بشكل أساسي، لكن من يسلط الضوء على تلك الحاجات والظروف التي يعيشها الأديب والمثقف للوزارة المعنية بتلك الشريحة هو الاتحادات والمنظمات والجمعيات الراعية لها، فيكون من الواجبات المنوطة بالاتحاد هو المطالبة باستحقاقات أعضائه بل وكل من يحمل هذه الصفات الاستثنائية العطاء، ويشكّل الإصرار في المطالبات هذه وجها مشرقا للاتحاد في حال نيل هذه الاستحقاقات المطلوبة والتي تؤمن للمبدع حياة تزخر بالعطاء فلا يكون إبداعه رهينا بالحاجات والسلع الضرورية لديمومة الحياة، ومن غير المعقول أن يكون نتاج هذا المبدع مشرقا يحدو نحو الأمل وهو يعيش حياة البؤس والشقاء والفاقة، فيكون الاتحاد حصنا للمثقف والأديب من أعضائه في حالة الخلاص من العوز المادي والحاجات الملحة الأساسية للحياة، وذلك لضمان عيش رغيد يكفيه للتفرغ لمنجزه الإبداعي فضلا عن سكن كريم وضمان اجتماعي وصحي له ولعائلته، كما يحدث في كل المجتمعات المتقدمة التي تقدم أكثر من هذا بكثير وذلك بإجزال العطاء للمبدع لغرض الترفيه والسفر والاسترخاء فضلا عن مكافأته عن كل منجز يولد من بين يديه، فهم يعدون ذلك رافدا انسانيا يغني به قيمه العليا وأحاسيسه الراقية المفعمة بالرحمة والسلام والمتعة التي ترتقي بالإنسان عن حياة الدونية والسقوط في مهاوي الخطيئة والركود الحسي وجموده وقسوته المتنامية بين أروقة الجهل والتخلف والفساد .
نشرت في الولاية العدد 132

مقالات ذات صله