حمود الصراف
حجة الله سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين فاطمة الزهراء (عليها السلام) صاحبة العبق الكريم يشتاقه بين الحين والحين أشرف خلق الله كلهم الصادق الأمين (صلى الله عليه واله) فيرد مفتاح الجنان بتنسم الأطايب من بضعته الطاهرة سيدة نساء العالمين عليها السلام في الأولين والآخرين.
الحجة البالغة.. حجة الله على الحجج والوعاء الذي اختاره الله ليتدفق منه الامتداد الحي والصادق لمرضاته ونعمه السابغة والصراط الواضح ونور تستنير منه الخلائق طريق الحق وبلوغ رحمة الله.
شذرات من سيرتها
بالرغم من قصر الحياة التي عاشتها والضغوطات والمآسي التي تحملتها من الذين (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ)(التوبة: 10) لكن انجازاتها على الاصعدة كافة له الأثر البالغ في حماية الدين والحفاظ عليه فإن ما قد حققته (عليها السلام) لا يوازيه عمل أيَّ امرأة من آدم (عليه السلام) إلى الآن فقد قامت (عليها السلام) بمهامها في بقاء هذا الدين ولولاها لطمست معالمه فهي (عليها السلام) دليل الحق وسبيل العلوم والمعارف ..
المعلمة التي تعلم الاجيال كافة معاني الحياة الحقيقية في كل زمان ومكان بالرغم أن لكل زمان ظروفه وحيثياته المختلفة ..فبالنسبة الى عصر النبوة كان دور الزهراء (عليها السلام) بارزاً في تعليم النساء لمعاني القرآن السامية وتثقيفهن بالاحكام الشرعية وكذلك بالعلوم والمعارف الإلهية الضرورية بالإضافة إلى مشاركتها المؤثرة والفاعلة في الدعوة الى الله تبارك وتعالى في المواقع المختلفة حتى في المباهلة مع النصارى وكذلك دورها الرائد في القضايا المصيرية والتي منها قضية الإمامة، والأثر البالغ لخطبتها في المسجد ووقعها في النفوس لتصبح معاني هذه الخطبة الغراء نبعا صادقا ينهل منه المسلمون في كل العصور حكما ومواعظا وعبرا فقد استطاعت (سلام الله عليها) بأفعالها وأقوالها المؤثرة أن تُقَوم الاعوجاج الذي آل اليه الاسلام بعد شهادة النبي (صلى الله عليه واله) وسد الثغرات التي قد أحدثها من غرته الحياة الدنيا من الذين أسلموا ولما يدخل الايمان في قلوبهم فهم في شقاق بعيد وبئس الورد المورود
المقام السامي
ورد في مقامها (عليها السلام) عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنه قال: (نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا) (الاسرار الفاطمية/37)وهو من الأحاديث الذي يبين فضلها العظيم على لسان حفيدها المعصوم الحسن العسكري (عليه السلام) أكبر وهي شهادة عظمية بحقها، والاحاديث الاخرى التي تبين عظم منزلتها ومقامها (عليها السلام) عند الأئمة (عليهم السلام)، فعن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أنه قال: (وفي ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي أسوة حسنة..)(اللمعة البيضاء/هامش ص 143) أي جعلها قدوة له يتأسى بها في المعضلات والمصائب.
قبل الرحيل
إن الأيام قبيل رحيل سيد الكائنات (صلى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى عصيبة باحداثها، فقد تهيأ واستعد أهل النفاق إلى بيان نواياهم الحقيقية اتجاه النبي وال بيته ومن الرسالة الالهية.
ومنذ أن غمضت عينا النبي (صلى الله عليه واله) وحتى استشهادها (عليها السلام) عانت كثيرا من قوى الشر والضلالة ممن اعلنوا او من الذين كتموا, عدم ايمانهم او من المشككين فيما جاء به النبي (صلى الله عليه واله) أو الاستيلاء على المشروع النبوي بكافة السبل والحقائق التاريخية شخصت افعالهم الدنيئة التي ارادوا ان يغيروا ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) حسب امانيهم.
الشهادة
وبعد شهادة أبيها المختار (صلى الله عليه واله) كانت أول اللاحقين به بعد جهاد مرير ما بين سوح الجهاد مع المشركين والمنافقين والمنحرفين والقضاء على مخططاتهم ومؤامراتهم الدنيئة، وساهمت إسهاماً فعلياً في تثقيف نساء المسلمين.
ورد عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: ولدت فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة، يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبي (صلى الله عليه وآله) وأقامت بمكة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوما. وقبضت في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة. وكان سبب شهادتها أن قنفذا مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسنا ومرضت من ذلك مرضا شديدا، ولم تدع أحدا ممن آذاها يدخل عليها. وكان الرجلان من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) سألا أمير المؤمنين أن يشفع لهما إليها، فسألها أمير المؤمنين (عليه السلام) فأجابت، فلما دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنت رسول الله؟ قالت: بخير بحمد الله . ثم قالت لهما: ما سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: (فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله؟ قالا: بلى. قالت: فوالله، لقد آذيتماني. قال: فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما. (دلائل الامامة/ محمد بن جرير الطبري ( الشيعي)/ ص 134)
هذه الحادثة هي خلاصة ما عقدت عليه الأمة الإسلامية حينها جزاءً وشكورا لما قدم إليهم رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله) من خير وصلاح.. فجزاهم الله بما فعلوا ببضعته الطاهرة التي من آذاها فقد آذى رسول الله، وإن رضاها رضا الله تبارك وتعالى.
نشرت في الولاية العدد 135