القضاء والقدر في القرآن الكريم

م.م. علي محمد عبد الحسين أبو شبع

يعد القضاء والقدر من المسائل العقائدية التي تباينت حول مفهومها آراء الفرق الإسلامية بين مجبر يُسلب الإنسان فيه عن الاختيار وبين مفوض يعزل الله عن ملكه وبين هذا وذاك تقف طائفة موقف الاعتدال وتجعل الأمر بين الأمرين هي العقيدة التي يُفسرون بها القضاء والقدر ومن هنا ارتأينا أن نسلط الضوء على هذه المسألة العقائدية المعقدة مع قلة البضاعة إلا أن الميسور لا يترك بالمعسور.

القضاء بمعنى الحكم والحكم هو اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى, وقد ذكر في كتاب (التعريفات) أن القضاء هو «حكم كلي إلهي, كلي في أعيان الموجودات على ما هي عليه من أحوال جارية في الأزل إلى الأبد» وقد ورد القضاء في عدة اشتقاقات ومعاني وذكر في (جمهرة اللغة) «القضاء من قولهم قضي القضاء وكذلك القضاء في القوم قضي بينهم حسناً» ومنها الحكم وأصله قضائي؛ لأن من قضيت وجمعت الأقضية والقضية مثله ولجمع القضايا وقضى الحكم نحو قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)(الإسراء/23). ومنها الفراغ نقول قضيت حاجتي وضربها فقضى عليها أي قتلها كان فرغ منها وسمي قاض أي قاتل وقضى نحبه قضاء أي مات ومنها البداء والانتهاء, نقول قضيت ديني نحو قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ)(الإسراء/4). أي أوحينا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ التوراة, ونحو قوله تعالى: (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ)(يونس/71). ذكر الفراء إي بمعنى «امضي إليه كما يقال قضى فلان أي مات ومضى منها الصنع والتقدير» ومنها القضاء والقدر يقال استقضي فلان أي صار قاضياً وقضى الأمر. وأما القدر في اللغة ذكر في (لسان العرب) هو القضاء الموقف وإذا وافق الشيء فهو قدر له. المقدر: اسم القدر وهو الموت والمقدر الهزاز وقدر الشيء المبالغة نحو قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ)(الإنعام/91). والقدر مصدر قولك له على الشيء قدره أي ملكه فهو قدير وقادر اقتدر على شيء قدر عليه, أما القدرية قوم يجحدون القدر مولده التهذيب وكذلك هم قوم ينسبون إلى التكذيب بما قدر الله لأشياء والقدر الرزق بقدره أقسم هو, ويُقال أن القدر هو مؤنثهُ عند العرب, وفي حديث الاستخارة نحو: (اللهم إني استقدركَ بقدرتك أي اطلب منك أن تجعل لي قدري). عموماً المراد من المعنى اللغوي أن القدر هو هندسة الشيء كالنجار الذي يريد أن يعمل باباً أو ما يشابه ذلك… وأما القضاء كما ذكر «هو فعل ذلك الشيء الذي لا يقبل التخلف, وبتحقيق أسبابه, وينقسم القضاء والقدر إلى ثلاثة أنواع, الأول: القضاء والقدر في التكوين (الخلق) نحو قوله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ)(فصلت-12). وفي هذه الفقرة لا يقع خلاف بين المسلمين في المعنى المراد فيه, الثاني القضاء والقدر في التشريع كما ذكرنا آنفاً نحو قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ…) والقضاء هنا هو إنه شرع ربك أن لا تعبدوا إلا الله وبالوالدين إحساناً, وكذلك لم يقع خلاف بين المسلمين فيه, وأما الثالث الذي وقع فيه الخلاف هو بمعنى (خضوع الفعل الإلهي) وانقسم قسمين: الأول أن أغلب المسلمين قالوا أفعالنا مجبورين بها تبريراً لأفعالهم السيئة, والثاني هو ضمن إطار الخضوع لقوانين الله سبحانه وتعالى تكن غير مجبورين على الفعل والترك, نحو الإمام علي(عليه السلام) كان جالساً ذات مرة تحت حائط مائل على وشك السقوط فغير مكان جلوسه بعيداً عن الحائط فسألوه لماذا يا أمير المؤمنين غيرت مكان جلوسك؟ (ماذا) (اسم يستفهم به عن أمر عام أي كان الغرض من سؤالهم استفهام حقيقي لغرض التصور؛ لأن الاستفهام الحقيقي هو السؤال الذي يطلب جواباً ويخرج إما تصوراً أو تصديق). فكان جواب الإمام علي(عليه السلام) هو (خرجتُ من قضاء الله سبحانه وتعالى إلى قدره).
وأما القضاء والقدر الحتمي وغير الحتمي فقد جاء في الروايات والإشارات القرآنية حديث عن القضاء والقدر الحتمي والغير حتمي وهي تعبر عن نوعين من القضاء والقدر نوع قابل للتغير وآخر محتم لضروري لا يقبل أي تغير وهذا يبرز لنا سؤالاً حول معنى القضاء والقدر غير الحتمي فإذا نظرنا إلى حادثة خاصة بعين الاعتبار قلنا إن العلم الأزلي إما أن يكون قد تعلق بها كأن من الضروري لها أن تقع والإ ألزم عدم مطابقة علم الله للواقع ولازمه خلف المراد عن الإرادة الإلهية وهو يستلزمه لا نقصان ذات الحق سبحانه وتعالى وبعبارة أدق واشمل ويقال أن القضاء والقدر في الواقع عبارة عن انبعاثات كل العلة لو الأسباب من إرادته ومشيئته وعلمه وهو كل العلل وكذلك يقسم القضاء والقدر الحتمي وغير الحتمي إلى قابل للتغير وغير قابل للتغير وهنا يبدو لنا السير في طريق مسدود فإما أن نقول بنوع واحد من القضاء والقدر كالأشاعرة ولا يقبل هذا النوع التغير والتبديل ولا يختلف مصير الإنسان كما رسم له ونكون بالتالي قد سلبنا الإنسان أي قدرته على تغير مصيره أي الحرية والإرادة وأما أن نكون مثل المعتزلة منكرين للقضاء والقدر وتأثيرهما في الحوادث الكونية وعلى اقل الأفعال والأعمال الإنسانية ويجب أن نلاحظ الآن انه هل يوجد سبيل للخلاص من هذا التردد أم لا؟ (هل) (حرف استفهام, هل يوجد…) هنا وقع السؤال حقيقياً التصديق والجواب بنعم أو لا, وهنا علينا أن نلفت النظر إلى نقطة مهمة هي أن نظرية الاشاعرة القائمة على أساس عدم سلطته المستقلة فإن نظرية المعتزلة ليست علاجاً ناجحاً لذلك إذ بالإضافة للإشكالات القوية التي يوردها العلماء الإلهيون عليها من زاوية تنافيها مع التوحيد نجدها لا تنفع في إرجاع القدرية والاختيار للإنسان فحتى لو لم نقبل القضاء والقدر بالمفهوم الإلهي فإننا سوف نقف حائرين أمام المفهوم المادي لهما أي التحكم القطعي الذي لا يختلف لمبدأ العلية العامة وحكومة النواميس الناشئة منها كما يعبر الجبريون. وأما العلماء قسموا الأفعال إلى قسمين: أفعال اضطرارية: وهي التي لا قدرة للإنسان عليها ولا اختيارله فيها مثل حركة ارتعاش اليد وحركة الجهاز العصبي والهضمي وقد اتفقت الفرق الإسلامية جميعها على أنها مخلوقة لله سبحانه وتعالى وليس للعبد دخل فيها فلا تكليف فيها ولا ثواب ولا عقاب له. والقسم الآخر أفعال اختيارية: هي التي للإنسان فيها قدرة واختيار كالسير والكلام وهذه هي محل لا تخلف بين علماء الفرق الإسلامية وذهبوا فيها إلى مذاهب مختلفة, عموماً خلاصة القول: القضاء والقدر على نحو الاختيار لا الإجبار بالنسبة إلى شيعة (أهل البيت(عليهم السلام)) أصحاب إطار الخضوع لقوانين الله سبحانه وتعالى (معاشر الشيعة) وهو قانون الأسباب والمسببات وبذلك طبقنا ما آمنا به من العدل الإلهي.

نشرت في الولاية العدد 135

مقالات ذات صله