نهضة الأمة في القرآن الكريم والأمة الرشيدة


أ.م.د خليل خلف بشير

النهضة هي انتقال فرد أو شعب أو أمة من حال الى حال أفضل منه فضلاً عن أنها الارتفاع الفكري في حياة الناس، وهي ليست ارتفاعاً اقتصادياً ولا روحياً ولا اخلاقياً، وإنما هي ارتقاء بالفكر ليس غير، ولا يمكن أن تتحقق النهضة إلا بمبدأ يقوم على عقيدة ينبثق منها نظام يبيّن الأساس الفكري في حياة الناس، والعقائد في عالمنا المعاصر ثلاثة هي:
1-العقيدة الإشتراكية: وهي عقيدة باطلة؛ لأنها لا تقنع العقل، ولا توافق الفطرة، لذلك انهار مبدأ لبطلانه، ومن ثمّ كل النظم الإشتراكية من سياسية، واجتماعية، واقتصادية فاسدة لأنها منبثقة عن أساس باطل فأصحاب المبدأ الإشتراكي أرادوا النهوض والارتفاع على أساس مبدئهم ونهضوا لكن نهضتهم غير صحيحة؛ لأن مبدأهم غير صحيح لقيامه على أسس غير صحيحة، وقد انهار المبدأ ودولته لا لسوء تطبيق المبدأ فحسب وإنما كلما ازدادوا تطبيقاً له كانت نهايتهم تقترب؛ لأنه مبدأ يخالف الواقع.
2-العقيدة الرأسمالية أو العلمانية: وهي فصل الدين عن الحياة فهي عقيدة باطلة أيضاً؛ لأنها أيضاً غير صحيحة لا تقنع العقل ولا توافق الفطرة، وهذا المبدأ في طريقه للإنهيار والاندثار إن شاء الله تعالى.
3-العقيدة الإسلامية: وهي العقيدة القائمة على المبدأ الإسلامي على أساس (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وقد أعطت فكراً كلياً أساسياً شاملاً عن كل الأشياء المدركة المحسوسة، وتتمثل في الكون والإنسان والحياة في كونها محدودة ومحتاجة أي إنها مخلوقة لخالق خلقها جميعاً، وهو الله سبحانه وتعالى، وإنه وراء الكون والإنسان والحياة، وإن الحياة الدنيا مخلوقة، وأن بعدها الموت والحساب على اتباع هدي الخالق أو مخالفته، وحمل رسالة الإسلام العظيم، وإن الله سبحانه أرسل الرسل بهذا الهدي، وأن سيدنا محمداً (صلى الله عليه وآله) قد أرسله الله خاتماً للرسل والأنبياء برسالة الإسلام هادياً وداعياً الى الله وسراجاً ومبشراً ونذيراً للعالمين، وإن الله تعالى يحاسب على أساس هذه الرسالة العظيمة.
إنَّ أمتنا الإسلامية خير وأفضل الأمم على الإطلاق؛ لأنها خير أمة أخرجت للناس، فلا أمة بعدها، قال تعالى ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران/110)، وهذه الأمَّة هي الأمَّة التي ستشهدُ على بقيةِ الأُمم، ولكن هذه الأمة قد مرَّت بثلاثة مراحل وفترات، أولى هذه الفترات فترة التطبيق الفائق -الكلي- للإسلام، وهذا كان في عهود الإسلام الأولى، فكانت الأمَّةُ في أوج نهضتِها وتقدمها، ثم فترة التطبيق الجزئي للإسلام، وفي هذه الفترة نقصت الأمة عما كانت عليه في الفترة السابقة من النهضة والتقدم، ثم فترة الإنحسار، وتزايد البعد عن حقيقة الإسلام، وما صاحب ذلك من زوال النهضة والتمكين لهذه الأمة، وغلبة الأعداء، ولازالت هذه الأمَّةُ تُعاني من التأخُّرِ والتراجع والتقهقر إلى الخلفِ؛ ولعل من الأسبابُ التي أدَّت إلى زوالِ النهضة عن الأمة، وتقهقرها إلى الوراء بعد أن كانت في المقدمة الآتي:
1- انحراف كثير من المسلمين عن الفهم الصحيح للإسلام، وانصرافهم عن الدين كعقيدة وعمل إلى ألفاظ ومصطلحات.
2- إهمال كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم, والخروج عن الإسلام في نظام الحياة.
3- تفرق المسلمين واحتدام الخلافات السياسية والعصبية والدينية في صفوف الأمة الإسلامية.
4- ضعف القيادة الإسلامية، واستغلال الرياسة لتحقيق الأهواء والمصالح الشخصية بعيداً عن مصالح الإسلام والمسلمين.
5- التخلِّي عن الأخذِ بأسبابِ القُوَّة الحسية.
6- تخلِّي الأمَّة الإسلامية عن القيام برسالتها حقَّ القيام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله.
7- إهمال العلوم العلمية النافعة، والانشغال بفلسفات عقيمة، وعلوم سقيمة.
8- انتشار الأدواء الخلقية والاجتماعية.
9- تصدع بناء الفرد المسلم، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم.
لذا تجد الأمة الإسلامية منذ مدة طويلة في أسوء أحوالها فهي مقسّمة الى بضع وخمسين دولة لكلٍّ منها نشيد وعلم، ووقعت تحت الاستعمار العسكري تارةً، والاستعمار الاقتصادي والسياسي تارةً أحرى، وحددت بحدود مصطنعة، وعانت الفقر المدقع، والبطالة المتفشية، والرعاية السيئة، وقد آلت الأمة الى هذي الحال بعدما كانت سيدة العالم ومنارة العلم ووجهة العلماء، يحسب لها ألف حساب. قال تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران/110) تلك حقيقة قرآنية أقرها الله تعالى في كتابه المجيد.
ومن المعلوم أن الأمة الإسلامية منذ بزوغ الإسلام ارتبطت بتعاليم السماء: القرآن من جهة، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو المفسر الأول للقرآن الكريم، من جهة ثانية، ويسمى هذا زمانه بعصر النبوة، وبعد شهادة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتي عصر الإمامة، وهو عصر مكمل لدور النبوة، ويبدأ بالإمام علي (عليه السلام)، وينتهي بالإمام الحجة القائم المهدي(عجل الله تعالى فرجه) الغائب الذي سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً؛ ولغياب الإمام المعصوم المفترض الطاعة كان لا بد من نائب ينوب عنه أو خلف يخلفه، وهنا يأتي دور المجتهد الجامع للشرائط بوصفه الوريث الطبيعي للأنبياء، والأوصياء إذ يقوم بالوظائف الأساسية للإمام، وهي: الولاية، والإفتاء، والقضاء، من هنا كان لا بد للأمة أن ترتبط بعلماء الدين المخلصين الواعين، وذلك ضماناً للمحافظة على وعي أبناء الأمة، واستقامتهم على الخط الصحيح؛ لأنً الأمة قد تتخلف أحياناً، أو تضلل أحيانا أخر، وقد تقهر كذلك إلا أنها حينما ترتبط بالمرجعية الدينية، وبالتوجيه الديني والسياسي الصحيح الذي يمثله علماء الدين تكون متقدمة في وعيها، ومستقيمة في منهجها، وصلبة في إرادتها، وقادرة على صنع الحدث السياسي المهم. لذا فالأمة عبر وعيها الأصيل، وثقافتها الدينية، وارتباطها السياسي بالعلماء، وتفاعلها الكامل مع القيادة الدينية- قادرة على المبادرة السياسية، وصنع الحدث المهم على أنّ خط الولاية لا يفترض حق الأمة في ممارسة عملها السياسي إلا في إطار ما يفرضه الشارع المقدس، وعبر ارتباطها بمراكز التوجيه الديني والسياسي الصحيح انتهاءً بإشراف المرجعية السياسية الرشيدة أو الولي الفقيه، والقائد الأعلى لمسيرة التجربة الذي يحدد بدوره الخطوط العريضة السليمة للحركة تاركاً التفصيلات ،وتشخيص أمور حياتها إلى الأمة ذاتها، وقد حثّ القرآن على اتّباع أهل الذكر أي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأهل بيته الميامين،وفي زماننا العلماء المخلصين في قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل/43)، وقوله (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (الأنبياء/7).

نشرت في الولاية العدد 135

مقالات ذات صله