فائق الشمري
اشرق الصباح، وتأوهت الشمس على الشرفات ومدت أذرعها الذهبية لتحتضن تلك المدينة..
في كل اشراقة تستيقظ عند الفجر لتستنشق الضوء، و دون كلل تحوك اشعته وتلبسه قميصا ما أدمي من دبر، فعلى الصدور تتألق شموعا دماء الشهادة..
الشمس في تلك المدينة أجمل من سواها، والماء غير الماء، والناس طيبة بهم ينتسب العراق.
مدينة ما أرهبتها الكوابيس، فهي مؤمنة انها ليست سوى رؤيا ثقيلة تزول عند الصباح.. وستترك كل العناكب أوكارها ويمزّق مانسجته ذوائبها اللزجة..
مع كل أشراقة ضوء تحلق الرغبات في سماء الأمنيات، لتملأ سلة الرزق بفاكهة الايام..
الاماني بساتين كبيرة، ترتوي من عرق الجبين، وتعلو اغصانها بهمم الرجال..
في كل يوم تعفر الجباه بترابها خمس مرات، وتشمر الاكف السمر خصبها ويعم باصرارها النماء.
بلون البنفسج صبغت الاصابع، وتجلببت رداء الموت، بخطى ثابتة عانقت صناديق تتوق لملئ أحلامها الاوراق..
يامرحبا بمدن الضوء.. تهتف حناجرها.
ودعت لياليها الخوف، وتركت شعث ألوانها، تتوق لصباحات غادرتها أحزانها، أبواب مشرعة فطمتها ساعات الانتظار لعناق طال، وقبلة باردة لأجساد دون دماء.
إلا ان الرائد كذّب أهله..
وعاد الصبر مرة أخرى خبزا للفقراء، وترنيمة حليم عرفته ليالي الزهد، وحيدا في محراب الشوق لغد يعيد مجد الضوء لذاكرة المدينة.
عيون حزينة ترقب الدرب، تتساءل عن كحل انتظارها، وتخشى ان يخيب أملها، فتنسى الخطوة ارجلها، وتندم انها صدقتها في يوم من الايام.
تختصم الطيور على الفتات، وتنسى ان عليها ان تغرد، لتملأ صباحات الثكالى دفئا يعيد اليها الحياة.
لكن مدن الضوء تبقى تنتظر منقذها، ترقب درب الشوق لغد يلبس رحمة، ويحمد ربه، غدٌ يوضع حده، يطوى ظلمه..
يقول كفى لعبا بمقدرات اليتامى، كفى ضحكا على الذقون، فالمؤمن لايداس خبزه مرتين..
وهذا العيد قد اقبل من جديد.. لتكن دعوة للفرح مرتين، وننسى ترنيمة بأي حال عدت ياعيد..
نشرت في الولاية العدد 96