ابو تراب كرار العاملي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12]
تعالوا لنتأمل قليلاً بهذا المشهد المقزز: شخص جالس وهو يتناول لحم أخيه الميت في جانبه. أَلا تتوقعون أن مثل هذا الحدث، على فرض حدوثه، سيستقطب أنظار العالم بأجمعه؟ من شاشات تلفزة وإذاعات وصحف ووكالات أنباء وغيرها من تقنيات نقل الأخبار؟ وسيشكل محطة استهجان من قِبَل مختلف أطياف المجتمع البشري؟ صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، عاقلهم وبسيطهم، مؤمنهم وكافرهم.
إذا كنتَ توافقني الرأي ببشاعة هكذا منظر، فعليك بأخذ الحيطة والحذر خلال المشاركة في السهرات والجلسات والمحاورات المختلفة، فبشاعة هكذا منظر تتكرر مع كل حديث يُتَناوَلُ به عيب من عيوب الناس المستورة. فنرى صاحبنا جالساً والنرجيلة في يده، وقدمٌ على قدم، وهو ينشر تقييماته الكذائية بحق هذا وذاك، وَيْكَأَنَّه سلطان زمانه، ومعصوم عصره والمنزه من الأخطاء والزلات.
وعندما تستوقفه متسائلاً، تأتيك الإجابة غير الصائبة: أنا أكلمه هذا الكلام في وجهه, والحال أنه يجب, في حالة الانتقاد والتحفظ على مسلكيات معينة, الاقتصار فقط على الانتقاد وجهاً لوجه بهدف تجنب الحرام والسعي لكسب الثواب في إطار الهداية الى الخير والصلاح, فقد ورد في الخبر عن الإمام الصادق (عليه السلام) : أحبّ إخواني إليَّ من أهدى إليَّ عيوبي.
ومن هنا، لا بد من الإضاءة على بعض النقاط العملية التي يجب على المؤمن الإلتزام بها والإلتزام بتطبيقها لضمان فراغ ذمته، ولكي لا يتوقف مصيره الأخروي على مسامحة هذا وإصفاح ذاك.
فمن جهة، عليه أن لا يتناول الآخرين بسوء في ظل غيابهم عن مجلس النقاش، بل يذكرهم بالخير أو لا يذكرهم من أساسه، وإذا تعرض أحد الحاضرين لشخص غائب، فعلى المؤمن أن ينهره أو يقوم بمغادرة المكان.
ومن الجميل أن يعمل المؤمن وفق الاستراتيجية التالية:
«محامي الغائب ومنتقد الحاضر», فالشق الأول يضمن له عدم الوقوع وعدم الرضا بالغيبة والنميمة والبهتان، والشق الآخر يتيح له إمكانية إصلاح إخوانه الى الأفضل، من خلال أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وبالتالي هداية العباد لما فيه خيرهم وصلاحهم ونجاتهم وحسن عاقبتهم.
ومن الجدير أن يتأمل الإنسان قليلاً بعواقب الغيبة المحرمة، فضلاً عن كونها تؤدي الى اسوداد صحيفة أعماله، وسخط الله تعالى عليه، وبث التفرقة بين الرفاق والمتحابين، فهل من فائدة كذائية يجنيها المستغيب؟ هل يشعر براحة نفسية عند تناوله للآخرين بسوء؟ أم ينشرح صدره وترتفع معنوياته ويطير من الفرح؟
قطعاً النتيجة لا هذه ولا تلك ولا أي حصاد عقلائي آخر، بل كل ما في الأمر أنه أضحك نفسه ومَنْ بجانبه، واستجاب لوساوس الشيطان وجنوده،،،فَبِئسَ المُلَبِّي وَالمُلَبَّى وموضوع التلبية.
فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما في الباب 156 من وسائل الشيعة، الجزء الثاني عشر, أنه قال في خطبة له صلى الله عليه واله : ومن رد عن أخيه غيبة سمعها في مجلس رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة، فان لم يرد عنه وأعجبه كان عليه كوزر من اغتاب.
فَلْنَتَّق الله أيها العزيز في عباده، أنفسهم وعيالهم وأعراضهم وكل ما يتعلق بهم، وَلْنجاهد أنفسنا، بكبح شهواتها وتنزيهها عن توافه الأمور, والرقي بها الى أعلى مراتب الكمال, لتصبح مؤهلة لأن تُحَشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقا.
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)
نشرت في الولاية العدد 107