قراءة في المنهج القرآني.. اسس التربية

A young Bahraini Shiite Muslim girl reads the Koran, Islam's holy book, during the holy fasting month of Ramadan at a mosque in the village of Sanabis, west of Manama, on July 27, 2013. AFP PHOTO/MOHAMMED AL-SHAIKH        (Photo credit should read MOHAMMED AL-SHAIKH/AFP/Getty Images)

مكي فرحان الإبراهيمي

المنهجُ في اللغةِ : مأخوذ من مادة نَهَجَ أي سَلَكَ ..ومنه النهج الذي يرادف معاني: السبيل، والصراط، والطريق ، فهو الطريق الواضح ، كما ورد في القران الكريم {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا ً}  المائدة/ 44  ، وهو في نظر الاصطلاح : أسلوبٌ وطريقةٌ في التعامل مع الموضوعات عرضاً وطرحاً ومناقشةً ، متنوع بحسب طبيعة الموضوع فيكون منهجاً علمياً ، او فلسفياً ، او دينياً او اجتماعياً او تاريخياً او نفسياً…وقد يكون شكلياً او موضوعياً او ذاتياً بالنظر إلى القائم به .

 

وعند التأمل في القرآن الكريم يستطيع ان يُقْرَأ في آياته المباركات اسلوب الحوار التربوي الذي يصل بالقارئ الى معنى الحقيقة في عرضه للموضوع بطريقة موضوعية لافتة للانتباه من دون ملل او كلل من قبله -القارئ-؛ اذ ان المنهج القرآني الالهي الذي يمثله الاسلام بصورته النهائية كما جاء بها الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يتحقق في الارض، وفي دنيا الناس بمجرد تنزيله من عند الله، ولا يتحقق بكلمة (كن) الالهية مباشرة لحظة تنزيله ، ولا بمجرد ابلاغه للناس وبيانه ، ولا بالقهر الالهي ، انما يتحقق بأن تحمله جماعة من البشر ، تؤمن به ايماناً كاملاً وتستقيم عليه بقدر طاقاتها وتجتهد لتحقيقه في قلوب الاخرين وجدانياً، ومعرفياً، وتجاهد لهذه الغاية بكل ما تملك بترجمتها ترجمة عملية في واقعها وسلوكها الذاتي ، لتحقيق هذا المنهج، واستعمالها لفن الاقناع العقلي، والقدرة على ابراز ما في العقيدة نفسها من مظاهر وآيات تتفق وحاجات الفرد ومصالحه وتقدمه ، من هنا يمكن القول ان التربية القرآنية هي المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في اطار فكري واحد يستند الى المبادئ والقيم التي اتى بها الاسلام والتي ترسم عدداً من الاجراءات والطرائق العملية التي يؤدي تنفيذها الى ان يسلك العامل بها سلوكاً يتفق مع عقيدة الاسلام .
أصول البناء التربوي:
وما ينبغي مناقشته في بناء اسس تربوية اسلامية قرآنية هو البحث في المصادر او الاصول التي تعد الاساس في البناء ، ويسير ما افرزته البحوث والدراسات التي اجريت في هذا الميدان في اتجاهين:
الاول: البحث التاريخي: الذي يتتبع بدوره تطور المعاهد والمؤسسات ونظم التعليم الاسلامي منذ ظهور الاسلام حتى مطلع القرن العشرين وهذا اتجاه له وظيفته وقيمته التي تتمثل في أية قيمة لدراسة تاريخية .
الثاني: البحث الفلسفي: الذي يدرس مظاهر الفكر التربوي في الاسلام فيما كتبه مفكروه وفلاسفته، وهو لا يقل اهمية عن الاتجاه الاول.
فالمنهج القرآني منهج ينفرد عن المناهج الاخرى بعرض الحقيقة كما هي في عالم الواقع في الاسلوب التكاملي الذي يتناول بالكشف عن كل الجوانب من دون تعقيد، ويعرضها في سياق متصل يرتبط فيه عالم الشهادة بعالم الغيب، وتتصل فيه حقائق الكون والحياة الانسانية بحقيقة الالوهية الحياة الدنيا بالآخرة، وحياة الناس في الارض بحياة الملأ الاعلى.
اذ يحافظ المنهج القرآني على اعطاء كل جانب من هذه الجوانب المتناسقة مساحته التي تساوي وزنه الحقيقي في ميزان الله تعالى، وتظهر فيه الحقيقة الاولية وخصائصها البارزة الشاملة حتى ليبدو ان التعريف بتلك الحقيقة وتجلية هذه القضية هو موضوع القرآن الكريم الاساسي .
مميزات المنهج القرآني:
ويتميز المنهج القرآني بحيوية دافقة مؤثرة موحية في الدقة والتحديد ، اذ يعطي الحقائق حيوية وايقاعاً وروعةً وجرساً وجمالاً لا يتسامى اليه المنهج البشري في العرض مما يؤثر في النفوس اشد تأثير .
فما من منهج يستطيع ان ينهض بحاجات النفوس البشرية ويفي بمطالبها ويغذي عواطفها ومشاعرها ويتابع تطورها ونموها ويلاحق ازمنتها ويهديها الى طريق الكمال سوى المنهج القرآني الذي اتضح في قوله تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} النجم/32. فالنفوس البشرية هي من صنع الله تعالى لا يمكن ان تعالج الا بعلاجه ولا تروى الا بنبعه .
في ضوء الطرح السابق حول المنهج ومفهومه بصورة عامة والمنهج القرآني على وجه الخصوص نستنتج ان المصدر الذي تستقي منه اسس التربية الاسلامية هو القرآن الكريم، ومنهجه الخاص في وضع أسس التربية المتكاملة التي تأخذ وجوهاً متعددة منها الحوار، والقصص ، والوصف ، والترهيب، والترغيب ، والتعريض ، والوعد والوعيد ، فهو منهج فذ فريد للقرآن الكريم ؛ لأنه كلام الرحمن الرحيم الذي خلق النفس ويعلم مكامنها ، ويعلم مؤثراتها ، وما يؤثر فيها.
العقيدة أوّل أساس تربوي:
إن أول أساس تربوي وضعه القرآن الكريم في المنهج التربوي المتكامل هو العقيدة، بدأ الإسلام باسلوب تربوي، وركز القرآن الكريم على هذا الأسلوب بمنهجه الخاص وثبته في القلوب ؛ لأن التربية الصحيحة لا تقوم إلا على منهج ثابت خاص لأساس العقيدة، ولا شك أن الفرد اليوم في أمس الحاجة إلى تصحيح أسسه التربوية، فواجب على كل المربين الصادقين أن ينهجوا منهج القرآن لتربية النشء من جديد؛ ليحاكي من رباه القرآن الكريم أعظم تربية وهو النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فلابد ان يتأثر كل معلم بهذا الأسلوب الجاد ، والمنهج الواضح ، حتى يقتبس كل تلميذ من معلمه، وثمّت أساس ثان من أسس التربية وهو الحوار الذي يعد أسلوباً راقياً في التربية، وتنعكس أهميته على الفرد في جوانب منها:
* انه يثري السامع والقارئ والرائي بأفكار تطرح أمامهم ، بالحجة والبرهان، فيعتادون على التفكير السليم والأسلوب القويم.
* أنه أثبتُ في النفس لأن السامع يُعمل أكثر من حاسّة في تفهّم أبعاد الحوار واهدافه.
اذ تتجلى بعض النقاط التي يمكن الوقوف عليها فيما سبق الحديث عنه بالآتي:
1-اتضح في القراءة السابقة انها رؤية عامة حول المنهج القرآني الخاص نريد من خلالها ابراز اسس التربية في القران الكريم .
2-الوقوف على اساسين من اسس التربية في القران الكريم هما العقيدة، والحوار .
3-التأكيد بطريقة غير مباشرة على قراءة القرآن الكريم والتفكير في محتواه ، والالمام بألفاظه ومعانيه وفهمها .
4-الشخصية الحسنة والتحلي بصفاتها والاخذ من محاسنها والقطف من ثمرات علمها .
والكلام على اسس التربية في منهج القران الكريم الخاص يحتاج الى مؤلفات كُثُر قد يتناول كلٌّ من مؤلفيها هذا المنهج من زاويته الخاصة؛ لأن القرآن الكريم نمير علمي لا ينضب ، اذ تجسد هذا في قوله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادا ً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدا ً}الكهف109. فكل ما نكتب او نقرأ نقتصر على جزئيات واحدة في الدرس التربوي فكيف يمكن ان نتصور الاحاطة بالدرس كلّه ودراسته من جوانبه المختلفة ، فما هي إلا اضمامة متواضعة تحتاج كثيراً الى من يسعى نحو الكشف عن محتوى هذه الاسس التربوية في منهج كتاب الله تعالى.

 

نشرت في الولاية العدد 76

مقالات ذات صله