عبد الغني الجزائري
إننا المسلمين اليوم أمة هي تراث النبوة والأنبياء وما رافقها من الشريعة والأحكام كما في موسوعاتها وبحارها بما يفي ويكفي حاجة الإنسان في هذه الحياة فلم يَعُدْ خافياً علينا شيءٌ من الحياة وما ينبغي لها بعد ان تمهدت لنا حقائق التنزيل، واستوثقت في قرارات النفوس والعقول على سواء، فلا داعي بعد ذلك الى التحري واستقصاء الآراء والتكلف والاسفاف في سبيل التحدث عن ذلك، ومساجلات الألسن توغلا في مدارات السفسطة المغلقة ومحاور الجمود والرقابة وكأن الحياة التي دعانا الله سبحانه اليها الى هنا قد انتهت بينما يسبقنا الزمن وتمضي الدنيا تسارع في ركابها.
اما المعقول واما النظريات والآراء فقد آثرت ان تلوذ وراء الخفاء والتستر فلا تغادر مكانها ولا تسمح لنفسها ان نطل على الحياة من كبريائها، وما يراودها من التعالي والذاتية داخل اروقة السفسطة ومخلفاتها حتى غارت في قراراتها بعيدا عن اعماق الكنوز وغياهب الاستتار فكان حسبها وحسابها ان يشهد لها من الشأن والنفاسة وان يكال لها من الثناء والاعتبار ما يعادل سعة البحار.
في الوقت الذي فيه نصطرخ الحياة ونستغيث الغروب من فوق وتحت ومن حولها بالحاجات والمنازعات وهي تعج بالمظالم والمستحقات تتعالى اصواتها متى الايفاء ومتى الوعود ومتى يرتوي الصائمون أم متى تنشق الأرض وتظهر الكنوز من اكنانها واطمارها ام متى تأخذ مواقفها في الحياة وآمالها فيا للرزية والبلية ويا للمحنة وسوء المآل فلقد اقتربت الساعة وانشق القمر.
الحضارة والازدهار هدفاً
وما الكنوز وما قيمتها وذخائر الاكتناز اذا لم تظهر على وجه الأرض نزولا في مبادئها ومثولاً في لحاظ العيان استدراكا لشأن الإنسان وديع الله في الأرض ومتى كان لها من الشأن والاعتبار اذا لم تباشر أو تؤد ما كان عليها في تحريك الأحوال وزحزحة الطباع الثقال او تسارع في لحاق المسؤولية ومتطلباتها في تصنيع الحياة واعمارها واقامة مشاريع البناء والاصلاح في لغة التغيير وماله علاقة ببناء الحضارة وازدهارها.
وهناك من القيم والمثل ما قد يقف عند حد الاعتزال وتحت مظلمة الطقوس والتقاليد خيال في سراب اذا ما قيست بمسؤولياتها وما يترتب عليها من اهداف وذلك عندما تكون الأفكار والعقائد اهدافا بذاتها لألفياتها كأن يكون السعي في العلم والتعلم من أجل العلم ذاته وتحصيل الاجتهاد فحسب لا من أجل الحياة وان نستضيء بنور العلم كوسيلة من وسائل النهوض والعمل واستثمار الفكر بما يرقى بالحياة نحو الكمال والجمال نعم مضيفا في قوله تعالى: (إِنّا جَعَلْنَامَاعَلَىالْأَرْضِ زِينَةً لَّهَالِنَبْلُوَهُم ْأَيُّهُمْ أَحْسَن ُعَمَلًا-الكهف/7-.
المسؤولية عمل وإنجاز واقعي
وعليه فلا ينبغي لأصحاب العقيدة الحقة ان يقفوا في مكانهم او يتخلفوا عن مسؤولياتهم فيعيشوا الغفلات حتى تحين آجالهم مكفوفي الأيدي وعاطلين صما عن نداء العقيدة في أعماقهم او متجاهلين مسؤولياتهم وأدوارهم فلكل عقيدة سبيل وسلوك ثم حياة في نظام واذا لم تستوف العقيدة دورها الأساس فليس لها نصيب في الحياة حتى تكون لاغية في سواء المهملات.
ودورها الأساس ان تأخذ في ضياء الحياة واعمارها لا ان تلوذ بالقلوب وان تستبد بها الآراء فيستفحل فيها الخلاف ويستقسمها الاجتهاد وانما تتعاهدها الجوارح وتصدقها الأعمال كحقيقة واقعة في مخاض الوجود الخارجي وتتعاهدها الهمم في طموحات هادفة وقيم وارفة.
الحكم وخلاصة العبرة
وعندئذ تكون الحياة ومبادئها وما يستوي فيها من الممارسات والأنشطة حكما ناطقا ودليلا واضحا على صدق الإيمان ونفاذ العقيدة في اوساطها.
أما عندما تسود الفوضى وتضطرب الأحوال وتغيب القيم والآداب فلا يعني ذلك سوى خلو الحياة من الفكر الحق والقيادة الفاعلة فلا عقيدة ولا ايمان ولا من شيء في الحياة يستحق الحياة.
فأين الكتاب وأين الرسالة والإيمان واين الرؤوس التي قطعت والدماء التي سالت على أرض المجد واين الأمجاد والصديقون والشهداء واين الوفاء بحقهم والعهود من هذا الرقود وقعقعة المراهنات..
نشرت في الولاية العدد 84