مفاهيم قرآنية مفهوم التأويل

666

الشيخ كاظم الصالحي

التأويل كلمة مأخوذة من الـ(أول) وتعني الرجوع الى المنتهى والغاية فعبارة (آلَ الشيءُ الى كذا) يعني صار اليه وقد يعني التأويل منتهى الشيء ومصيره أيضا، وغاية الأشياء مختلفة وفي جميع موارد التأويل نلاحظ وجود حركة من مبدأ الشي الى منتهاه وهي ما تعرف بـ(الصيرورة)، يقول الراغب في مفرداته: ان التأويل هو رد الشيء الى الغاية المرادة منه علما او فعلا ولذا قالوا: ان التأويل إما هو حركة الشيء او الحدث باتجاه أصله ومبدئه او باتجاه عاقبته ومنتهاه.

من هنا يكون تأويل قول شخص ما نوعين: إما بيان ما قصده من القول والكلام فيكون معنى التأويل هو التفسير، أو إما يلاحظ فيه منتهى القول نفسه، في النوع الأول الصيرورة في مقام العلم وفي النوع الثاني ترتبط الصيرورة بالكلام نفسه وتحققه في الظرف الزماني، كالاخبار عن المستقبل والوعد والوعيد قال تعالى: (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)(الأنعام/67).
وما ذكر في القول يصدق في الرؤيا والفعل ايضا، فتأويل الرؤيا يعني تارة التحرك نحو مبدأ الرؤيا وهو عالم الغيب وريته في ظرفه الحقيقي، أي تلاحظ الغاية العلمية للرؤيا ويعني تأويل الرؤيا تارة أخرى تحققها في ظرفها الزماني حتى تصل الى مستقرها، أما تأويل الفعل فيعني تارة معرفة الدوافع النفسية للفاعل وهدفه من الفعل ويعني تارة أخرى تحقق الفعل نفسه في ظرفه الزماني وبلوغه النهاية التي تناسبه خيرا أو شراً.
استنادا الى ما ذكر في تعريف التأويل يمكن تقسيم الاستعمال القرآني لمعرفة التأويل إلى ثلاثة أقسام هي: تأويل الرؤيا والمنام، وتأويل الأفعال، وتأويل القول والكلام.
1. التأويل والرؤيا والمنام: ويعني ارجاع الرؤيا الى حقائق في عالم الغيب استنادا الى مشاهد في الرؤيا ففي سورة يوسف ذكرت مفردة التأويل في 8 مواضع المراد من 7 موارد منها هو الغاية العلمية من الرؤيا وفيها بدأ النبي يوسف عليه السلام بمشاهد الرؤيا وتوسل بالحقائق التي تضمنتها الرؤيا الى الاخبار عن ما هو مقدر في عالم الغيب وبكلمة أخرى ان الغاية من العلمية للرؤيا هي التقدير المحدد وراء عالم المحسوسات، من هذه الموارد السبعة القصة الأولى وهي قصة اللذين سجنا مع النبي يوسف عليه السلام قال تعالى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَان قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(يوسف/36) فقال لهما يوسف (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ)(يوسف/41) وعن هذا المصير المقدر المحتوم قال في آخر الآية (قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ).
والقصة الثانية هي ما رآه ملك مصر في منامه وطلب تفسيره فعجز الجميع عن تفسيره وقالوا انه اضغاث أحلام، قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)(يوسف/43) فما جواب يوسف عليه السلام: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)(يوسف/47 ـ49) وفعلا حصل ما ذكره عليه السلام ونفذوا ما قال ونجت مصر من المجاعة.
القصة الثالثة: هي قصة النبي يوسف (عليه السلام) نفسه واخوته وأبويه إذ بين لأبيه النبي يعقوب عليه السلام ما رآه في المنام من سجود الكواكب والشمس والقمر له وتحذير ابيه اياه من ذكر ذلك لإخوته لأنهم سوف يتآمرون عليه ويسعون لإبعاده عن أبيه الذي يحبه كثيرا ليتوجه اليهم وفعلا نفذوا مؤامرتهم ولكن الله تعالى كتب له الحياة ومكنه في الأرض وسلطه على خزائن مصر، وأخيرا حينما جاء ابواه واخوته إلى مصر ودخلوا عليه خروا له سجدا فقال عليه السلام: (يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا)(يوسف/100) هنا بين يوسف عليه السلام الغاية الفعلية لرؤياه في بداية القصة وتحقق ما رآه فيها.
2. تأويل الأفعال: وقد ذكر القرآن ذلك في اربعة موارد في موردين منها اشار القرآن الكريم الى صيرورة الفعل الى غايته العلمية وذلك في قصة الخضر والنبي موسى عليه السلام إذ قال له عن تلك الحوادث الثلاثة التي قام بها الخضر واعترض موسى عليه السلام: (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)(الكهف/78) فنبأه بصور وعناوين لتلك الحوادث غفل عنها موسى عليه السلام وتلقى صورا وعناوين اخرى اوجبت اعتراضه بها عليه كانت الحادثة الأولى عن السفينة التي خرقها الخضر والثانية عن الغلام الذي قتله والحادثة الثالثة هي الجدار الذي اقامه فاعترض موسى عليه السلام على هذه الحوادث على التوالي بقوله: (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا)(الكهف/71) وقوله (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا)(الكهف/74) وقوله (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا)(الكهف/77) فقال الخضر عليه السلام: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ) ثم قال: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)(الكهف/79 ـ82).
وفي الموردين الآخرين من الموارد الأربعة ذكر القرآن الغاية الفعلية لتأويل ما جاء فيها وهما قوله تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(النساء/59)، وقوله تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(الإسراء/35)، فالعمل بما في الآيتين يكون له احسن عاقبة واحسن جزاء كما يرى بعض المفسرين.
3. تأويل القول والكلام: وقد ورد في اربعة موارد ايضا مضافا الى ضمير يعود إلى القرآن او بعضه، في المورد الأول قال تعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) (آل عمران/7) فالتأويل هنا يعني قصد المتحدث من الآيات المتشابهات وهي الغاية العلمية لها من خلال ارجاعها الى الآيات المحكمات وفي الموارد الثلاثة الأخرى ليس المراد هو معنى الكلام بل استقراره في غايته الفعلية قال تعالى: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ).

نشرت في الولاية العدد 85

مقالات ذات صله