هشام أموري
إن حادثة الغدير بما لها من القدسية العظيمة لدى المسلمين غدت هدفا لذوي النفوس العقيمة والحقد المتوارث لكي يدسوا غبار التكذيب والتزوير في هذه الحادثة منذ وقوعها قديما ولحد الآن، فقد تبنى هؤلاء تفريغ الأمر الإلهي من مصداقيته ومحتواه الحقيقي وتحمله بين التكذيب الفاضح والتهميش المتعمّد فكانت السنوات الأولى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله سنوات عجاف على آل علي عليه السلام فمنها حيكت المؤامرات وسلبت الأمانات وخفيت الحقائق.
يوم الغدير وأحداثه:
هو اليوم الذي أعلن فيه الرسول الأكرم صلى الله عليه واله للمسلمين كافة على اوسع نطاق وبأوضح لهجة نبأ دنو اجله وانه مفارق الدنيا قريبا وان حج بيت الله في هذا العام الأخير في حياته الشريفة وبهذا اليوم عهد الرسول الله صلى الله عليه واله العهد لأمير المؤمنين علي عليه السلام واستخلفه على امته من بعده وأخذ منهم البيعة وامرهم بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين وتهنئته بالتنصيب الإلهي المقدس وبإكمال الدين واتمام النعمة وبهذا اليوم ايضا انزل الله تعالى قوله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) وكانت خطبة رسول الله صلى الله عليه واله كما يروي المؤرخون خطبة مطولة سياسية وبموجبها ختم رسالته المطهرة ببداية جديدة لابن عمه لإكمال ما بدأ به قبل ثلاثة وعشرين عاما من الجهاد والصراع والمحن لتثبيت دين الله في ارضه.
فمنذ ذلك اليوم انغرس في قلوب اتباع الإمام علي عليه السلام شجرة الولاية وصار الغدير سقيا مقدسا لها طيلة حياتهم وتحولت تلك الحرارة في صحراء مكة الى انهار جارية وحدائق خضراء في نفوسهم وصار الغدير وصاحبه وخطبته العظيمة وانشودة حسان بن ثابت وبيعة الأول وكلمة عمر بن الخطاب الشهيرة (بخ بخ لك يا علي اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة) من المواثيق التاريخية التي تناقلتها اقلام المؤرخين والكتاب عبر مئات السنين.
عصيان الأمر الإلهي:
لقد ذكر القرآن الكريم وجود نفر من الناس كانوا محيطين برسول (الله صلى الله عليه وآله) يمنعونه عن بيان أمر الإمامة وإقامة الحجة فيها، لذلك احتاج صلى الله عليه وآله إلى طلب العصمة من الله سبحانه، ليتمكن من مواجهة هؤلاء، وكبح جماحهم (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {المائدة/67})
ان المؤشرات والحجج الواضحة التي تكشف لنا القناع عن وجه هؤلاء تظهر مدى تصميمهم على رفض هذا الأمر ومحاربته وطمسه ومنابذته، بكل ما أوتوا من حول وقوة وأرادوا الحصول على الخلافة بدون مسوّغ شرعي على الرغم من كونهم يُحسبون على صحابة رسول الله وأتباعه، ومن قريش بالذات التي حاربت الإسلام في بدء ظهوره، وحاربته وهو غض طري العود، ثم حاربته بعد أن ضرب بجرانه، وعملت على زعزعة أركانه، حينما أرادت حرمانه من العنصر الضروري والأهم للحياة والاستمرار بالحكم الأسلامي تحت قيادة أمير المؤمنين، لذلك عانى الإمام علي عليه السلام أشد ألوان المحن والبلاء في جميع أدوار حياته، قال(عليه السلام): لقد أخافتني قريش صغيرا وانصبتني كبيرا حتى قبض رسول الله فكانت الطامة الكبرى والله المستعان على ما تصفون.
وتحدث(عليه السلام) في رسالته إلى أخيه عقيل عن اجماعهم على حربه كما أجمعوا على حرب رسول الله(صلى الله عليه وآله) فكان يقول: «فدع عنك قريشا في الضلال وتجوالهم في الشقاق وجماحهم في التيه فإنهم قد أجمعوا على حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبلي فجزت قريشا عني الجوازي فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن أمي».
أول المتخلفين:
قال عمر بن الخطاب لابن عباس وهو يتحدث عن صرف الأمر عن علي عليه السلام (.. والله ما فعلنا الذي فعلناه عن عداوة ولكن استصغرناه وخشينا ان لا تجتمع عليه العرب وقريش).
وتأييدا لهذا الكلام الذي عارض فيه ابن الخطاب امر السماء والانصياع له والتآمر على الرسول الاكرم(صلى الله عليه واله) وعدم الاخذ بوصاياه، ما ذكرته مصادر عديدة منها ما نص عليه الغزالي في كتابه (سر العالمين وكشف ما في الدارين) الذي يؤكد تخلف وعصيان عمر ابن الخطاب للأمر الإلهي في يوم غدير خم فقال: اسفرت الحجة وجهها واجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته(صلى الله عليه وآله) في يوم غدير باتفاق الجميع وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه فقال عمر: بخ بخ لك يا ابا الحسن لقد اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فهذا تسليم ورضى وتحكيم ثم بعد هذا غلب الهوى بحب الرئاسة وحمل عمود الخلافة وعقود البنود وخفقات الهواء في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوى فغادوا الى الخلاف الأول فنبذوا الحق وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا.
ولما مات رسول الله صلى الله عليه واله قال قبل وفاته صلى الله عليه واله ائتوني بدواة وبيضاء لأزيل لكم الأمر وأذكر لكم من المستحق بها بعدي.
قال عمر دعوا الرجل فإنه ليهجر..
الغدير بأقلام الخصوم:
تعد حادثة الغدير من الحوادث المهمة في حياة الرسول الاكرم صلى الله عليه واله والإمام علي عليه السلام لأهميتها في استمرار النهج المحمدي ولأنها حادثة تاريخية بعيدة حاول كثير من الكتاب والمؤرخين ممن يبغض عليا ان يفرغوها من تفاصيلها والتلاعب بنصوصها، وعلى الرغم من هذا فقد وصلت بيعة الغدير الى المسلمين كافة على اختلاف مذاهبهم بطرق مختلفة تؤيد وتوثق ما صرح به الرسول آنذاك، وعلى هذا فقد نقل كثير من علماء العامة هذه الرواية وأسندوه في كتبهم من دون التلاعب في مضمون وصية الرسول صلى الله عليه واله وعلى هذا فقد ذكر سبط الجوزي قوله: اتفق علماء اهل السير على ان قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي صلى الله عليه من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، وكان معه من الصحابة ومن الأعراب وممن يسكن حول مكة والمدينة مئة وعشرون الفا وهم الذين شهدوا معه حجة الوداع وسمعوا منه هذه المقالة (بحار الأنوار:37/150)، وأخرج الإمام احمد من حديث زيد بن أرقم قال: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه واله بوادٍ يقال له وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها بالهجير، قال فخطبنا وظلل لرسول الله (صلى الله عليه واله) بشوب على شجرة سمرة من الشمس فقال: ألستم تعلمون، أولستم تشهدون أني اولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
وأخرج النسائي عن زيد بن ارقم ايضا قال لما رجع النبي من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأني دعيت فأجبت وأني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي اخل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيها، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: ان الله مولاي وانا ولي كل مؤمن ثم أنه أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. (المراجعات: 262).
نشرت في الولاية العدد 98