لقد أوجز الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب «عليهم السلام» نهضته لطلب الإصلاح بقوله: (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله(صلى الله عليه واله) «ومن الطبيعي هنا أن يكون هذا الإصلاح بموجب عقيدة ودستور محكم ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بما نزل على نبي الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه واله) وهو القرآن الكريم. ولهذا فإن النهضة الحسينية إنما تنطلق من القرآن الكريم لإن الإمام الحسين «عليه السلام» إنما هو ناطق بالقرآن الكريم، والإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» يقول في كلام طويل: (وأما القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق وإنما تتكلم به الرجال).
وبذلك فأن النهضة الحسينية إنما تستمد مضامينها وأهدافها من روح القرآن الكريم بدلالة العديد من الشواهد والأدلة الموضوعية التي تؤكد بأن القرآن الكريم كان حاضراً في ساعة المعركة بل شاهداً على القوم في كل ما قاله أبي الأحرار الإمام الحسين «عليه السلام» من كلمات وخطب في بيان أحقيته «عليه السلام» ومشروعية دعوته ونهضته من أجل تصحيح الإعوجاج والإنحراف في الأمة الإسلامية نتيجة أعمال وأفعال آل أمية دعاة الضلالة وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان وإبنه يزيد الذي فاق أباه في ذلك وأعطى مثالاً واضحاً لمدى الإنحطاط والميوعة والإستهانة بالقيم والأخلاق الإسلامية. فقد ذكر الطبري: إنه لما دنا القوم من الإمام الحسين «عليه السلام» دعا براحلته فركبها، ثم وجه كلامه إليهم بأعلى صوته: أيها الناس إسمعوا قولي، ولا تعجلوني حتى أعظكم بما هو حق لكم عليَ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي، وأعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليُ سبيل، وإن لم تقبلوا مني العذر، ولم تعطوا النصف من أنفسكم ((فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ)) «يونس /71»،((إن وليي الله الذي نزَل الكتاب وهو يتولى الصالحين)) «الأعراف /196».
وفي جانب آخر يبين الإمام «عليه السلام» ومن تمام نهضته بيان مسلك خصومه من بني أمية، وإن الخلق لا يخلُون من إمام يدعو الى الحق والإصلاح، وآخر يدعو الى الباطل والضلالة فأجاب «بشر بن غالب» لما سأله حين بلغ الثعلبية فقال:- يابن رسول الله إخبرني عن قوله تعالى ((يوم ندعو كل إناس بإمامهم))، فأجابه الإمام «عليه السلام»: إمام دعا الى هدى فأجابوه إليه، وإمام دعا الى ضلالة فأجابوه إليها، هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار، وهو قوله عز وجل ((فريق في الجنةوفريق في النار، وهو قوله عز وجل ((فريق في الجنة وفريق في السعير))، «الشورى / 7» وهنا لا بد لنا من أن نوضح بأن الإمام الحسين «عليه السلام» لم يشغله المسير الى الكوفة أن يفسر آيات القرآن ويرد على أسئلة المكلفين. وقد بين الإمام «عليه السلام» إنه من الذرية الطاهرة ومن سلالة الأنبياء «عليه السلام» فهو بذلك أحق من غيره في إصلاح أمة جده بالوراثة القرآنية والولائية، فقد إحتج على إبن الأشعث حين قال له: يا حسين بن فاطمة آية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك، فتلا الحسين «عليه السلام» هذه الآية: ((إن الله إصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين)) «آل عمران/33» ثم قال: والله إن محمداً لمن آل إبراهيم، وإن العترة الهادية عن آل محمد (بحار الأنوار: ج،44ص 317).
ثم نصل الى أتم الشواهد القرآنية وأعظمها تجلياً حيث تظهر عظم الدلالة فيها وبهاء ونور الناطق بها، تلك التي نطق بها رأس الإمام الحسين «عليه السلام» إذ إن هناك روايات تشير الى إن الرأس الشريف سلام الله عليه ولعنة الله على حامله قد قرأ أكثر من آية.
عن زيد بن أرقم إنه قال: مر بي رأس الحسين «عليه السلام» وهو على رأس رمح، وأنا في غرفة لي، فلما حاذاني سمعته يقرأ: ((أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً)) «الكهف/9»، فوقف والله شعري فناديت: رأسك والله يابن رسول الله أعجب وأعجب.
وعن أبي مخنف عن الشعبي إنه: صلب رأس الحسين «عليه السلام» بالصيارف في الكوفة، فتنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف الى قوله ((إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى)) فلم يزدهم ذلك الا ضلالاً وعن الاعمش عن سلمة بن كهيل قال: رأيت رأس الحسين «عليه السلام» على القنا وهو يقرأ: ((فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)).ثم قال: وفي أثر إنهم لما صلبوا رأسه على الشجر سمع منه ((وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون))، وسمع أيضاً صوته بدمشق يقول: لا قوة إلا بالله، وسمع أيضاً يقول ((أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً)) فقال زيد بن أرقم: أمرك عجيب يابن رسول الله.
وهناك العديد من الأمثلة والشواهد مما لا يسعها المقام والا فان هناك شواهد قرآنية عديدة كانت كربلاء ميداناً للإستشهاد بها.
فسلام عليك يا أبا عبد الله الحسين يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً.
نشرت في الولاية العدد 99