تعدُّ الشعائر الحسينية من ابرز ما أكد عليه أهل البيت عليهم السلام من خلال أحاديثهم مع شيعتهم وأتباعهم ومحبيهم ومن خلال إقامتهم للمجالس وأيضا الأمر الذي أكد عليه بعدهم مراجع الدين العظام إذ أن القضية الحسينية تسلط الضوء على حقيقة الصراع الأبدي بين الحق والباطل وتظهر بشكل واضح الزيف الذي يعيشه الطغاة، لذلك يخاف الظالمون من الشعائر الحسينية اشد الخوف ويحاربونها بكل طاقاتهم فترى الطغاة في كل زمان يخشون هذه الشعائر منذ استشهد الإمام الحسين عليه السلام وحتى يومنا هذا, لذلك فان الشعائر الحسينية هي امتداد لذلك النضال الذي سار عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ومن هذه الشعائر ينتهل المتعطشون للحرية ورفضهم للظلم القوة والشجاعة والبسالة والإقدام وحول أهمية هذه الشعائر وما تفرزه من نتائج وما تتركه في نفوس مقيميها وما تغيره في المجتمعات عملنا تحقيقا لنقف عنده.
الأستاذ في الحوزة العلمية السيد طلال الحكيم استوقفناه عند معنى الشعائر وأهمية إحيائها وهل هي مختصة بأحد الأئمة أم هل جميع أهل البيت وكذلك الإشكالات التي حاول بعضهم إثارتها عليها فأوضح بقوله «بان الشعائر لا تختص بالإمام الحسين عليه السلام فقط فالشعائر بمعنى العلائم، قال الله سبحانه في محكم كتابه الشريف حيث تكررت هذه الكلمة في القران الكريم ثلاث مرات وكلها في الحج وهي في قوله تعالى (ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب)، وفي قضية الصفا والمروة (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت واعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)، ووردت أيضا في البدن (إن البدن جعلناها من شعائر الله)، من هنا يستشكل بعضهم انه هذه الشعائر انتم ايها الشيعة انما تعدوها الى ابعد من قضية الحج بالرغم من انها هي قد وردت في القران الكريم ليس إلا بمعنى الحج أي ليس إلا في الحج ان كان في البدن أو أصل الحج او الصفا والمروة فتعديتها الى غير الحج هذا يحتاج الى دليل, وهم بذلك قد ادخلوها تحت خانة البدع وطبعا للجواب على هذا الاستشكال او هذه الشبهة بالحقيقة لو لاحظنا الآيات الكريمة ومنها ذلك ومن يعظم شعائر الله هذه الإضافة (شعائر الله) أعطت فسحة من العموم سعة من الإطلاق يعني هناك ثمة شعائر, فلما يأتي أن الصفا والمروة من شعائر الله, فمن جاءت هنا من التبعيضية ولما يأتي على البدن جعلناها من شعائر الله فاذن كونها وردت في القران الكريم لا يعني أنها اختصت فهناك قاعدة أصولية متفق عليها عند الأصوليين من كلا الطائفتين أن المورد لا يخصص الوارد، المورد الذي يخصص الحج لا يخصص أصل الشعيرة في الحج فبالتالي اذا وصلنا الى هذه المقدمة وبمعية هذه المقدمة أضفنا لها مقدمة أخرى وهو ان الشعيرة بالمعنى اللغوي فالقران الكريم لما جاء بمفرداته جاء على المعاني اللغوية على لغة العرب ولما نفتش ونبحث في قواميس اللغة العربية التي جاء عليها القران الكريم نجد ان الشعيرة بمعنى العلامة وقد أجمعت وأطبقت كتب اللغة على ان الشعيرة بمعنى العلامة فاذا كان كذلك أصبح هناك عندنا ثمة فسحة واسعة ومجال رحب الى ان تتعدى الشعائر ليس فقط في خصوص موارد الحج, فالصلاة هي من افضل ومن اكبر ومن أوضح مصاديق الشعائر إذا أخذنا الشعيرة بمعنى العلامة فالصلاة من أوضح العلامات الى دين الله العلامة بمعنى انها تقربك الى الله وتدلك على الطريق فمعنى العلامة هي الدلالة وأيضا الصيام في شهر رمضان (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) ايضا هذه علامة كذلك الحال في العبادات المالية في الصدقة والزكاة (خذ من اموالهم صدقة تطهرهم) ايضا علامة من علائم دين الله, هناك ثمة جبلان مسميان بالصفا والمروة عبارة عن صخور وأحجار جعلها الله سبحانه علامة، البدن كذلك فالبدنة دلالة على طاعة الله, وتأدية مناسك الحج بل نتعدى الى العبادات الاخلاقية الاخرى مثل بر الوالدين وصلة الرحم والرفق بالجيران وهكذا كلها علائم كلها دلالات الى طاعة الله اذا كان العبد نوى بها التقرب الى الله والعلامة الى دين الله عز وجل، فلم لا تكون داخلة تحت الشعائر فقضية اهل البيت في احياء مواليدهم وإحياء وفياتهم والاحتفال بهذه الذكريات في الاحزان والافراح لا نرى علامة لا نرى مقربا لا نرى دلالة الى الله عز وجل اقرب من محمد وال محمد وهي تتعدى اذ انها ليست مخصوصة بالامام الحسين بل تتعدى الى كل ما يقربني الى الله ولا أجد أفضل ما يقرب الى الله عز وجل من طاعة رسوله والتقرب الى الله بمحبة رسوله صلى الله عليه واله والفرح لفرحه والحزن لحزنه على ان طاعة اهل البيت وموالاتهم والفرح لفرحهم والحزن لحزنهم هذا مما يفرح رسول الله فترك ذلك والإهمال وغض النظر وجعله يوما عاديا نمر عليه مرور الكرام لا نستذكر تلك التضحيات ألا يؤذي هذا رسول الله القران الكريم فوق هذا وذاك في قضية إرشاد الناس بل امر الناس بالرجوع الى طاعة أوليائه وطاعة بيت نبيه صلى الله عليه واله عندما يقول (انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا) وكذلك (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وكونوا مع الصادقين) وأيضا (قل لا اسالكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)، إن أردنا المودة في القربى لابد من ان تحصل وتقرن هذه المودة بالتباع إن كنتم تحبون الله فاتبعوني إذ لا تكفي المحبة اذا لم يجسد هذا في الخارج علامة برسالة نقدمها الى الملأ إلى الناس وبأننا لا نكتفي فقط بحب محمد وال محمد فيجب تجسيد هذا في الخارج أين هذه المحبة اذا لا نوالي أولياءهم ولا نعادي أعداءهم يقول القران إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله، والإتباع لا يحصل بموالاة الأعداء (يا أيها الذين امنوا لا تجعلوا عدوي وعدوكم أولياء) فإذا أنا أوالي معاوية بن ابي سفيان وفي الوقت نفسه أوالي علي بن أبي طالب القاتل والمقتول والساب والمسبوب.
وحول عمق وامتداد هذه الشعائر على مر التاريخ يبين الباحث الإسلامي عبد المنعم الحيدري بقوله «اقبل شهر الدم , وشهر الحزن والألم، حيث تبدأ المواكب الحسينية، بإقامة الشعائر، الشعائر التي يمتد عمرها مئات السنين، وذلك من اجل عزاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأمير المؤمنين، وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليهما السلام.
وعلى الرغم من ممارسة الكثير من الطغاة, وحكام الجور للقضاء على هذه الشعائر الحسينية، الا ان كل محاولاتهم باءت بالفشل، وانتصر الحسين بثورته الأصيلة والمتجذرة فينا, لان إقامة الشعائر إنما هي امتداد للثورة الشريفة, التي قادها الحسين «عليه السلام» ضد الظلم والاستبداد والطغيان.
كثيرون هم الذين كتبوا عن قضية الحسين «عليه السلام» وثورته في كربلاء المقدسة، تلك الثورة التي طوت التاريخ حيث توقف الزمن ليبدأ انطلاقة جديدة بميدان الحرية يقودها الحسين «عليه السلام» ضد تأسيس هيكل الظلم والاستبداد والتعسف الأموي.
لقد لعبت العروق والأصلاب في هذه المعركة التي تمثل فيها الحق بالحسين العلوي «عليه السلام» وثلته، بينما يقابلها في الجانب الآخر زمرة الباطل التي يقودها يزيد الأموي، وشتان ما بينهما.
إذ، لا مجال للمقارنة حتى من جهة العدة والعدد، لقد كان الجميع على علم، من أولئك الذين أطلعوا على التاريخ، ان سبعين شخصا يقودهم الحسين «عليه السلام»، وقفوا أمام ثلاثون ألفا ونيف وقد جاء هذا في أدق الروايات التاريخية. التي تناولها الكثير من الكتاب، والمؤرخين. ومن هنا يبرز لنا دور القيادة الناجحة للحسين «عليه السلام» في إدارة المعركة على مستوى التكتيك الميداني، والبعد الاستراتيجي، حيث ليس من المنطق العسكري ماديا ان يتغلب سبعون رجلا في الفلاة على أكثر من ثلاثين ألف مقاتل مدججين بالسلاح، إلا أننا نجد ان التاريخ يكتب عن نصر الحسين «عليه السلام» وأصحابه، وهزيمة أعداءه وكان ذلك بفضل القيادة الناجحة.
كان الحسين«عليه السلام» في واقعة الطف على تماس مع جنوده وأنصاره حيث لم يبتعد عنهم وكان يقدم لهم العون حينما يحاصرهم العدو، وهو وسط الميدان وهو قائد ميداني وهذه صفة القيادة الناجحة.
لقد كان الحسين«عليه السلام» يتصف بالشجاعة، وكيف لا، وهو الذي واجه كل جبروت الأمويين وطغيانه، حتى قال أعداءه بحقه (إننا لم نرى رجل اصلب وأشجع من الحسين«ع» يوم واقعة الطف حيث قتل أخوته وأبنائه وأصحابه وبقي وحيدا وهو واقف بعرصات كربلاء كالطود الشامخ).
أما قوة شخصيته فكانت، بين الهام السماء، وكسب الأرض، وقد كان«عليه السلام» يهيمن على عقل وقلب الشخص بمجرد ان يحادثه، او يكلمه، حتى لو كان ذلك من أعداءه وأوضح مثال على ذلك قصة زهير بن القين والحر بن يزيد الرياحي.
هو الحسين«عليه السلام» واثقا بخطواته، ثابتا بأيم انه،صائبا بقراره، رابط الجأش حتى حينما بقي وحيدا في عرصات كربلاء.
أما ما نعيشه اليوم وبعد سقوط النظام المقبور فيشير الأستاذ المتخصص بالعلوم الإسلامية حيدر واثق الجزائري بان الشعائر الحسينية رغم ما قامت به السلطات البعثية من قمع وملاحقات لمقيميها إلا أنها تزداد قوة وتقدما وتمسكا بإحيائها من قبل أتباع أهل البيت عليهم السلام فبعد مرور أكثر من قرن على استشهاد سبط النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الإمام الحسين عليه السّلام، وثلّة من أهل بيته وأصحابه في ملحمة بطوليّة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في التّضحية والفداء من أجل الدّين والحياة. وما زالت أصداء تلك الثورة تتردد في أنحاء المعمورة، يستمد منها المظلومون والمستضعفون القوّة والثبات والتحرر من نير الأنظمة الظالمة.
ويضيف قائلا»مع إطلالة شهر المحرّم من كلّ عام، يبادر الموالون لأهل البيت(عليهم السلام) إلى إقامة المجالس الحسينيّة في بلدان ومناطق عديدة في العالم، حيث يستذكرون تلك الفاجعة الأليمة من خلال شعائر حسينيّة، تتفّق في مجملها بتلاوة ما أصاب الحسين وأهل بيته وأصحابه عليهم السّلام في واقعة الطّفّ، وتختلف فيما بينها ببعض الطّقوس باختلاف البلدان والأمصار. وتكون ذروة المراسم في اليوم العاشر من هذا الشّهر، وهو اليوم الذي استشهد فيه الإمام عليه السّلام وأهل بيته وأصحابه في كربلاء, فيما يختم بان الشعائر الحسينية ستبقى تغذي الأجيال بقوة الإسلام الأصيل ومواجهة الأعداء والظلاميين والمستكبرين والطغاة وإنها ستقض مضاجعهم لأنها ثورة الحق ضد الباطل».
أما الحاج حيدر كبون السلامي صاحب موكب النجف الاشرف فيشير إلى أن في كل محرم تنعقد المجالس في أيام شهر محرم الحرام وتوزع الأطعمة وكما معروف لدى العراقيين في زمن النظام المقبور كانت هذه المجالس تمنع من زمن السبعينات والثمانيات حتى الانتفاضة الشعبانية في العام 1991 ومن ثم سقوط الطاغية في عام 2003 إذ انفتحت المجالس على مصراعيها وصار الموكب الواحد أكثر من موكب وكثرت المجالس في مدينة النجف الاشرف كما هو الحال في العراق بصورة عامة أما في مدينة النجف الاشرف فان للمجالس طابعا وميزة خاصة وسمة تراثية إذ تعود إلى الماضي القديم كان آباؤنا يعقدون هذه المجالس ويقومون بإعداد الطعام في الطرق والجوامع والحسينيات ونحن الآن نواصل عقد هذه المجالس أيضا في العشرة الأولى ومن ثم أربعينية الإمام الحسين عليه السلام والمناسبات الدينية الأخرى نعرف في زمن الطاغية كان المجلس ممنوع وطبخ الطعام على محبة أهل البيت أيضا منع وكذلك العزاء ولكن بعد زوال ذلك الطاغية بدأت المجالس بالانعقاد في النجف الاشرف وباقي المحافظات وفي العتبات المقدسة في العراق وسوريا وإيران.
نشرت في الولاية العدد 99