لماذا النون أغن من الميم؟

قران

د. كريم جبر الزبيدي

إن لغنّة النون في آذاننا وَقعا يختلف عن غُنّة الميم، فلها رنّة وللميم دوي الأنين(قل: إنْ وأطل صوت النون، وقل: إمْ وأطل صوت الميم).
وإذا ورد الاختلاف في معنى الأغن، فنقول الأغن الأكثر والأشد غنة، أي أكثر انفية او خيشومية، فشدة الغنة حدتها وقوة ظهورها من الخيشوم ووضوحها في السمع، فمعنى ان النون أغن هو أن فيه زيادة في قوة الغنّة ووضوحها وظهورها الصوتي، وبلا شك لا يمكن أن تكون الزيادة في زمنها.
ان كون النون أغن من الميم ظاهرة لا نتكلف نحن في افتعالها، وسواء أكان ذلك حقيقة ام توهّما فانه توهم لا يؤثر في أدائنا شيئا. وسأشرح الموضوع بنظرة تشريحية فيزياوية واضحة جداً من طبيب متخصص.

 

يقسم الحلق(البلعوم او الحلقوم) الى:
1-البلعوم الأنفي: وهو الجزء المتصل بفتحة الخيشوم القابل للانسداد والانفتاح ببوابة الخيشوم الخلفية المطلة على الحلق ويتحكم بها الطبق(الحنك اللحمي الرخو( وتتغير سعتها بحسب انخفاض وارتفاع الطبق اللحمي او الحنك اللين .
2 – البلعوم الفموي: وهو الجزء المقابل لفتحة الفم وهو الذي نراه بأعيننا إذا فتحنا أفواهنا، ويتحكم أقصى اللسان بسعة فتحة اتصاله بفضاء الفم.
3-البلعوم الحنجري وهو الجزء المتصل بالحنجرة، وهذا طبعا لا نراه.

النون

كيفية النطق بالنون والميم:
تختلف النون والميم في أثناء النطق بهما عن كل الحروف باسترخاء وانخفاض الطبق (الحنك اللحمي) لينفتح الخيشوم على الحلق، فيجد الهواء الخارج من الرئتين بعد مروره بالحنجرة هازّاً الوترين الصوتيين(محدثا صفة الجهر) فيجتاز البلعوم الحنجري فيصل الى وسط الحلق وأدناه، وهنا يتوزع الهواء على:
1- ادنى الحلق، اي البلعوم الانفي ليجد مسرباً الى الانف خلال فتحة الحلق الأنفي محدثا هذا الصوت الرخيم المسمى بـ(الغنة)، لكن جزءاً منه يندفع الى :
2 – فضاء الفم ليصطدم بحافات اللسان المنطبقة على الحنك الاعلى(حيث مخرج النون) او بالشفتين(حيث مخرج الميم).
ولا تنس أن في بقية الأصوات(غير الميم والنون) ينغلق البلعوم الأنفي انغلاقا تامّا عند نطقها، ولهذا فان اغلاق الأنف باصبعيك سيمنع تسرب هواء الخيشوم، فلا نون ولا ميم، ولن يؤثر ذلك في نطق بقية الأحرف او الاصوات اللغوية.

الفرق بين الغنّتين:
1- عند نطق النون يكون اللسان بشكل تلتصق فيه حافات اللسان كلها تماماً على ما جاورها من سقف الفم، أمّا في اثناء نطق الميم فيكون اللسان مرخى وتنطبق الشفتان انطباقا تاماً.
2- إن انطباق حافات اللسان على السقف في النون وانطباق الشفتين في الميم يمنع تسرب الهواء تماما من الفم.
3- مع انطباق اللسان او الشفتين ينخفض الطبق الرخو للأمام باتجاه الفم، فيجد الهواء مسربا إلى الأنف، والنتيجة هي الغنة.
إذن فللنون والميم مخرج فموي(لساني في النون وشفوي في الميم) ومخرج انفي يشتركان فيه.
بالطبع ان المسافة من الشفتين الى الحلق ابعد منها من حافات اللسان الملتصقة الى الحلق ، فالفضاء اذن اكبر، ومن ثم فان كمية الهواء الداخلة في فضاء الفم المنغلق بنطق الميم اكثر، وكلاهما اقل من كمية هواء الخيشوم لاتصاله بالخارج.
فلنفرض أن كمية الهواء المندفع من الرئتين (في الميم والنون) والواصل الى الحلق يبلغ 20 ملمترا مكعبا، فان 15 منها يتسرب الى الخيشوم في الميم، و 5 منها الى الفم في النون.
إذن كمية الهواء الخارج في أثناء نطق النون اكثر منها في الميم، وصوت مروره بدهليز الأنف أقوى وضوحاً وأكثر رنينا، فالنون أغن لان كمية الهواء المتدفق خلال الخيشوم اكثر.
ولا تنسَ ان صوت اصطدام الهواء في غرفة الفم كله عند نطق الميم سيعطي دويا مثل دويه في غرفة فارغة، اي ليس حاداً لان المكان واسع فيبقى دائرا في فضاء الفم، فيقلل من حدة او قوة صوت الميم.
في حين ان صوت اصطدام الهواء بحافات اللسان يرن لضيق المكان فيزيد من قوة وحدة صوت النون، ويعود الهواء المصطدم بسرعة الى الخلف ليهرب مع الهواء الهارب من الخيشوم مخرج الغنة، طبعا هذا كله في النون والميم غير الخفية، اما المخفاة فلها حديث اخر.

ملاحظة مهمة:
عندما ينوي البشر – جميعا عربيهم واعجميهم- نطق النون، فان الدماغ سيعطي اوامره للطبق (الحنك اللحمي الذي تتدلى اللهاة منه) بالاسترخاء من خلال عصب خاص يزوده، فينخفض باتجاه مؤخر اللسان ويقترب منه أكثر، واقترابه منه في النون اكثر من اقترابه منه في الميم، فيكون تسرب الهواء للخيشوم اكثر في النون- وقد لاحظت ذلك بجهاز فلوروسكوب الاشعة السينية- ولهذا فان سعة فتحة البلعوم الانفي اكبر في النون منها في الميم، وهذا يعني ان كمية الهواء اكثر وأثره الصوتي أوضح.
لذا فان «الأخنّ» الذي يكون كلامه انفياً دائما سببه شلل الطبق او الحنك اللحمي او الصفيحة اللينة، اذ تبقى مرخاة لا ترتفع، فتصوّر صوته في اداء كل حرف، فسبحان الله والحمد لله على نعمه الصوتية لنا.
ولو سأل احدنا: أنه في كلا الحرفين -الميم والنون- ينغلق الفم تماما مما يجعل قوة الغنة متساوية، بمعنى أن الصوت يخرج من الحلق فلما قابله انغلاق المخرج أصبح الاعتماد الكلي على مخرج الخيشوم، فلأي شيء أتى التمييز في الميم؟
الجواب: ان طبيعة كل صوت تحدده كمية الهواء وقوة اندفاعه وتضاريس الممرات التي يجري فيها، والنون والميم يجري هواؤهما في ممرين: ممر خيشومي -انفي- مشترك بلا اختلاف في سعة غرفته، وممر فموي مختلف في سعة غرفته وتضاريسه.
وبالعودة الى شرح الموضوع، ستجد ان كمية الهواء مختلفة اولاً،
وثانيا: ان انغلاق مخرج الفم مختلف، ففضاء الفم الذي يدور فيه الهواء في الميم(الانغلاق شفوي) اوسع من فضاء الفم في النون(الانغلاق لساني)
وفي الختام تجدر الاشارة الى ان هذا الشرح من آرائي وتصوراتي الخاصة ولن تجدوها في كتاب، فعندي معمل مختبري في ذهني انقل لكم منه، وليست مجانبة للحقيقة تماما، واحسبها من البدع الحسنة في عالم التجويد، أما بخصوص النون الخفيفة فنطبق نفس المبادئ الصوتية التشريحية.

نشرت في مجلة الولاية العدد 73

 

مقالات ذات صله