واقعة فخ حادثة تاريخية مشهورة حدثت في أعقاب الطف، فكانت تكملة لها وإعادة، تثبت أن لكل عصر حسينا ويزيداً، كان الحسين في هذه الوقعة هو الحسين بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن علي بن ابي طالب(عليه السلام)، وأمه زينب بنت عبد الله بن الحسن المثنى(رضوان الله تعالى عليهم).
إن عائلة شهيد فخ قد نشأوا على ظلم بني العباس وجورهم على آل علي(عليه السلام)، وقد نشأ الحسين يتيما اذ قتل ابو جعفر المنصور أباه وأعمامه وابناءهم وأخواله في سجون الكوفة مع عبد الله المحض، فنشأ الحسين عارفا بحقه وثأره وثأر الإمام الحسين(عليه السلام) الذي أبكى جفون العلويين على مر الدهور.
ترعرع الحسين صاحب فخ في جو المدينة الزاهي بالعلماء والفقهاء وطلاب العلم، فكان بارعا سالكا طرق تعلم الحديث والفقه وعلم التفسير، فكان خير تلميذ لعلماء عصره، وكان سيد قومه فإذا دخل على جبابرة زمانه أرهبهم وكان به سيماء الحسين السبط(عليه السلام).
وفي سنة 169هـ بعد موت المهدي تولى ابنه موسى الهادي الخلافة، فتدهورت أحوال أهل العراق، وأصاب البصرة قحط شديد وازداد على العلويين وبال الخلفاء، إذ كان المهدي أشد وطأة على آل علي(عليهم السلام) من جده المنصور، فقتل أخوال الحسين وصادر املاكه وأملاك عمومته وحبسهم عدة مرات، وازداد الأمر سوءً على سوء.
وعندما ولّى الهادي أمر المدينة المنورة إلى عمر بن العزيز بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب الذي كان حاقدا على آل علي(عليهم السلام) لاحقهم وأهان نساءهم، وأصابهم في عصره جوع وفقر شديد وكان ذلك كالسيوف تعمل في قلب الحسين الذي كان لحلمه نهاية، فأبى إلا أن يفجر ثورته في موسم الحج سنة 169هـ، فنزل هو وسليمان بن عبد الله وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن المثنى – وهم أبناء عمومته- مكة حجاجا فضايقهم واليها وأمر بحبسهم عدة مرات إهانة وإذلالا، فكانت هذه الأحداث والمضايقات نقطة تحول للاتجاه نحو الثورة، لقد شابه شهيدنا الإمام الحسين(عليه السلام) في هذا الموسم من حيث انه لم يكمل الحج وصعد المنبر وخطب بالناس وخلع والي مكة فالتحق به ناس كثير والتقى معهم في (فخ) خارج الديار المقدسة، فسار اليه موسى بن عيسى في جنودٍ من (عسقباذا) من اطراف الهند، وقدم إليه أيضا سليمان بن موسى في خمسة آلاف من بغداد وآخرون.
فاجتمعوا شمال فخ والتقوا يوم التروية وقت صلاة الصبح، وغدر أهل مكة بالحسين فلم يوافه منهم سوى خمسمائة نفر، فعزم على خوض الغمار بهم وكانت هذه نقطة شبه أخرى مع معركة الطف.
فحاصرهم المشاة والخيالة وقاتلوهم ولم يبقَ مع الحسين سوى عدة نفر فقام يكر ويفر حتى رماه غلام تركي يسمى حماداً بسهم فقتله وقتلوا من بقي من أبناء عمه وأصحابه وقطعوا رأسه. ووهب محمد بن سليمان مائة ألف درهم ومائة ثوب لحماد التركي على قتله الحسين، وحملت الرؤوس الى بغداد عند موسى الهادي، وقال عنه الإمام الكاظم عليه السلام: (نعم انا لله وإنا اليه راجعون، مضى والله مسلما صالحا صواما قواما، آمراً بالمعروف ناهيا عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله).(مقاتل الطالبيين: 380)
واقتيد الأسارى ايضا الى الهادي فأمر بقتلهم جميعا وتركت أجسام شهداء فخ تأكلها السباع فلم تدفن فانا لله وانا اليه راجعون.