القارئ: حيدر عباس الكعبي
نحن هنا بصدد الإشارة إلى موضوع مهم جدا في علم التجويد هو «الإخفاء»، وقد اختلف علماء التجويد في شرحه وكيفية تطبيقه، ولعلماء الأصوات اللغوية أيضا وجهة نظر مختلفة في هذا البحث سيرد تفصيلها في هذا المقال.
الإخفاء في اللغة: هو الستر، وفي الاصطلاح يكون: عند التقاء حرفي النون والميم الساكنتين بما بعدهما من حروف معينة ليكون الناتج إخفاء النون أو الميم الساكنتين قبل النطق بالحرف التالي.
والإخفاء هو حالة بين الإظهار والإدغام بدون تشديد مع صفة الغنة وأداء حكمها.
يوجد الإخفاء في موضعين من أحكام التجويد:
1- أحكام النون الساكنة والتنوين: ويكون عند التقاء النون الساكنة أو التنوين بأحد الحروف الخمسة عشر التالية ( ت ث ج د ذ ز س ش ص ض ط ظ ف ق ك) والتي جمعت في بداية كلمات هذا البيت من الشعر:
صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما
دم طيبا زد في تقى ضع ظالما
وتطبيق الإخفاء في أحكام النون الساكنة والتنوين يكون بعدم النطق بمخرج النون، وإنما بالانتقال إلى مخرج الحرف التالي والاقتراب منه أو ملامسة مخرجه بدون الضغط عليه متزامنا مع إخراج صوت النون من الخيشوم -أي: صفة الغنة- وأداء حكمها بمقدار حركتين مشتركا مع الفم ثم النطق بحرف الإخفاء الذي يلي النون الساكنة أو التنوين، ويجب أن يكون صوت الغنة متصفا بصفات الحرف الذي تخفى عنده النون من حيث التفخيم والترقيق، فتكون الغنة مفخمة عند حروف الاستعلاء (ص ض ط ظ ق خ غ)، وتكون مرققة وطبيعية عند باقي الحروف، والإخفاء يكون في كلمة أو كلمتين كما يلي.
• أمثلة النون الساكنة في كلمة ( أنتم، أنثى، وأنجينا، أندادا، وأنذر، أنزل، منسأته، وينشئ، أنصار، منضود، ينطق، أنظر، المنفوش، ينقلب، منكم).
• أمثلة النون الساكنة في كلمتين (من تاب، من ثقلت، من جوع، من دونه، من ذكر، فمن زحزح، من سجيل، من شاء، من صيام، من ضل، من طيبات، ولكن ظننتم، من فعل، من قبل، من كان).
• أمثلة التنوين ( جنات تجري , جميعاً ثم , ظلوماً جهولا، ولكلًّ درجات , ناراً ذات , يومئذٍ رزقاً , أمرٍ سلام , لنفسٍ شيئا , عملٌ صالح , قوماً ضالين , شراباً طهوراً , قوماً ظلموا، عميٌ فهم، شيء زوج كريم).
2- أحكام الميم الساكنة : هو أن يأتي بعد الميم الساكنة حرف الباء (ب) , وتطبيقه يكون بعدم الضغط على الشفتين لكي يخرج الصوت مشتركا من الخيشوم ومن بين الشفتين مع أداء حكم الغنة بمقدار حركتين قبل النطق بحرف الباء مثل (ترميهم بحجارة , ربهم بذنبهم , عليهم بمصيطر).
بعض ما اختلف فيه العلماء من الإخفاء:
اختلف العلماء في الإخفاء في أحكام النون الساكنة والتنوين , فذهب بعض منهم إلى أنه لا دور للسان في أداء الغنة قبل النطق بحرف الإخفاء ويكون معلقا في وسط الفم , وبعد أداء حكم الغنة يتحرك اللسان نحو مخرج الحرف الذي يلي النون الساكنة أو التنوين. وذهب بعضهم الآخر إلى أنه حين أداء حكم الغنة يكون اللسان في الحروف اللسانية بقرب الحرف الذي يلي النون استعادا للنطق به , وفي الحرف الشفوي الوحيد , وهو (الفاء ف ) تقترب الشفة السفلى من أطراف الثنايا العليا استعداد للنطق بعد الانتهاء من حكم الغنة . وذهب آخرون إلى ملامسة مخرج حرف الإخراج لا الاقتراب منه، ولكن بدون الضغط عليه لكي يخرج الصوت في حكم الغنة مشتركا بين الخيشوم والفم , وذهب غيرهم إلى أداء النون بغير مخرجها وإنما بمخرج الحرف الذي يليها , كما في المقطع المنقول من كتاب الميسر في علم التجويد للدكتور غانم قدوري الحمد مع بعض التصرف للإيضاح .
ويمكن تحقيق إخفاء النون الساكنة عند الحروف الخمسة عشر بنقل موضع اعتماد اللسان عند النطق بالنون من طرف اللسان وأصول الثنايا إلى مخرج الحرف الذي تخفى النون عنده , ففي (أنفسكم) تكون النون المخفاة من مخرج الفاء , وفي (منذر) تكون من مخرج الذال , وفي (منكم) تكون من مخرج الكاف , وهكذا في بقية حروف الإخفاء , ويأخذ اللسان عند النطق بالنون المخفاة الوضع الذي يكون عليه عند النطق بالحرف الذي يكون بعدها , مع بقاء جريان صوت الغنة من الأنف أي: حكم الغنة بمقدار حركتين , وبعد ان تستوفي النون المخفاة حظها من الغنة يغلق مجرى النفس إلى الخيشوم ( فتحة اللهاة ) ويجري في الفم للنطق بالحرف الذي بعد النون من غير أن يتغير موضع اللسان في حروف الإخفاء أو موضع الشفة في حرف الفاء .
واختلفوا أيضا في الأحكام في الميم، فذهب بعضهم الى أنه عند نطق الميم المخفاة لا تطبق الشفتان، وبمعنى آخر هو إيجاد فاصلة قليلة بينهما، ومثّله بعضهم بمقدار مرور ورقة من بين الشفتين مع أداء حكم الغنة قبل النطق بحرف الباء، وذهب بعضهم الآخر الى إطباق الشفتين بشكل كامل في نطق حرف الميم بالتزامن مع حكم الغنة ووجود حكم الغنة هنا هو لأن الفرق بين الباء والميم بصفة الغنة في الميم والمخرج فقط، وباقي الصفات كلها متحدة, فحكم الغنة هنا حالة وقائية من الإدغام الذي يمكن أن يحدث عند هذا الإلتقاء.
وعدّ بعض علماء الأصوات اللغوية الإدغام الناقص في النون الساكنة بالياء والواو أقرب للإخفاء من الإدغام، وذلك لبقاء صفة الغنة في النون، ولكن ما يجب معرفته أن الفرق بين الإدغام الناقص والإخفاء أن الإدغام يصحبه التشديد وأن الإخفاء غير مصحوب به ويكون عند الحروف (قبل النطق بحرف الإخفاء لا فيها بخلاف الإدغام فهو في الحروف لا عندها يقال أخفيف النون عند الكاف لا فيها وأدغمتها في الراء لا عندها.
نشرت في الولاية العدد 76