عبود غفله ياسين الكوفي عبد الحسين ابو شبع هادي القصاب النجفي
حمود حسبن
الأدب في العراق سفر خالد من الإبداع عبر الزمن على الصُّعُد كافة، والمجتمع العراقي حافل بكل الألوان الأدبية التي يوصل من خلالها رسالته الفكرية والثقافية.
والشعر احد هذه الألوان، وله تأثير كبير واسهامات واضحة في نشر الوعي بين مختلف طبقات المجتمع بما يستسيغه الناس ويحبونه وباسلوب جميل مؤثر، فهو شعر الشعب وأدب الجماهير. وكان للمراسيم الحسينية الدور الرائد والأثر العظيم في بلورة الشعر الشعبي وتعميق صورته الادبية وتقويته، فامتاز الشعر الشعبي العراقي بطابع الحزن واللوعة والحرارة وغزارة العاطفة بسبب تاثير الثورة الحسينية في نفوس العراقيين بشكل عام.
من بين ربوع العراق، برزت النجف الاشرف بشعرائها الأفذاذ وقصائدهم الخالدة في هذا المضمار، فهي المدينة التي أنجبت الفطاحل والمبدعين في الادب، فلمعت أسماؤهم في سماء الرثاء الحسيني، نعرج في هذه العجالة على نخبة منهم:
عبود غفلة:
خادم أهل البيت(عليهم السلام) الشاعر عبود غفلة الملقب بأمير الشعراء الذي أعطى ووفى وغطى مساحات واسعة في الأدب الشعبي من خلال قصائده الشائقة ذات المعاني الجادة القوية والصور الجميلة.
كان رحمه الله يمثل محيط الأدب وواحات الشعر، فكان روضة الخيال وضمير المنبر الحسيني وهو من عائلة الشمرت التي يرجع نسبها إلى الخاقانيين، وقد قيل بأمّيته من حيث القراءة والكتابة، ولكنه تمتع بالنورانية والفقاهة ومصاحبة أهل العلم والمعرفة ، وكان من مرتادي مجالس الذكر والوعظ والإرشاد ومن رواد مجلس الحسين(عليه السلام).
وكان يعد ثاني من نظم الابوذية في الأدب الحسيني، وكان ينظم الشعر ارتجالا، حتى في إثناء ممارسته لعمله، وكان الرواديد يأتون إلى محل عمله ليكتبوا ما ينشد لهم.
شعره دروس ومواعظ، وهو يعد من الشعراء الموضوعيين المتحمسين لمعالجة الوضع الاجتماعي، وكان في شعره يحاكي ويستنهض الجماهير للإصلاح.
ويذكر انّ الشاعر العربي الكبير احمد شوقي حين سمع ابياتاً للمرحوم عبود غفلة طلب ان يسمع المزيد من شعره فلماَ قرئ له قال في حقه: (انني اذا كنت امير الشعراء فهو ملكهم).
ارتحل امير الشعراء الشعبيين من هذه الدنيا في النجف الاشرف عام 1356هـ وشيع تشييعا كبيرا فبكته كل عين ونعاه كل شاعر وتغنى بأبياته كل خطيب.
ومن شعره في رثاء سيد الشهداء:
ريت سيف القاضيـه يفنـي الدهـر وللبريـه التلف و المـوت الحَمَر
ولا يبو اليمّـه يبـن سيـد البشـر دمّـك سيـوف الانـذال اتفيـّضـه
آه يـا ريحانـة الهـادي السلـيـل بالهجير اعلى الرمل تمسـي جتيـل
وفوق صدرك والظهر تلعب الخيل آه واعظامـك اتبـات امـرضّضـه
يمن جسمك روح والعالـم جسـم جيف عكب الروح مـا جسمه يعـدم
آه مهرك مـن طحـت فـر للخيـم يظن غيـرك يـا شهـم يستنهضــه
ياسين الكوفي:
ومن الشعراء المرحوم الشيخ ياسين المعروف بالكوفي من مواليد 1880.
موهوب انطبع على نظم الشعر وانشاء القصائد بالفطرة والموهبة والنبوغ، ولا يأخذ نظم الشعر بالتعلم وانما هي موهبة من الباري عز وجل.. كان خادماً لمسجد مسلم بن عقيل (عليه السلام) لسنين طويلة.
حظيت أشعاره بالشهرة، وكان أول من قرأ له المرحوم الشيخ جابر الكوفي في الأربعينات، وقرأ له عبد الرضا الرادود وفاضل الرادود وعباس الترجمان وحمزة الزغير، وقرأ له الرادود أحمد الباوي والحاج باسم الكربلائي والحاج جليل الكربلائي في التسعينات.
ومن شعره:
يا شهر عاشور ما مثلك شهر بسمّك ابو السجّاد دّلالة انفطر
وله رحمه الله ابوذية منها:
روحي ما بطل ونها وصاحت على التبت مصايبها وصاحت
يتيمه من الظعن طاحت وصاحت دريضوا يا هلي ياهلل الحميه
وينقل عن بعضهم انه قد سئل المرحوم ياسين الكوفي في احدى الجلسات مع إخوانه الشعراء في مسجد الكوفة عمّن يخلفه من بعده فقال: بعدي الشيخ عبد الحسين أبو شبع.
وافاه الأجل يوم 3 شعبان 1374هـ ـ 1953م وقد شيّع جثمانه الى مقره الأخير في النجف الأشرف بتشييع مهيب واودعوه بجوار الإمام علي بن ابي طالب في الصحن الشريف.
عبد الحسين أبو شبع:
عبد الحسين حسن ناصر إبراهيم أبو شبع، ولد في مدينة النجف عام 1912، وتميز بأكثر من صفة وأسلوب شعري، فهو المناضل السياسي مقتحم حصون الظلم والاستغلال الذي عبر أفضل وأجمل وأكمل تعبير عن هموم وطنه ومواطنيه ممزقا أقنعة زيف وجوه الاستغلال.
تميز بقوة وتفرد الشخصية والعزة بالنفس والعنفوان، ويشهد بذلك كل من عرفه كما تشهد له بذلك سيرته العملية المعروفة وقصائده المنشورة وغير المنشورة.
توفي مسموما في عهد النظام البعثي المقبور عام 29/1/1980م.
من أبيات له في الرثاء الحسيني:
آه يـا زيـنــــب اشــــصـــار بحالج من الغاضريّة
اشـلون ليلة أمس مرّت والنهـار وهــــالمسيّة
أمـــس كــــضّـيــــتي الليل اوداع ويّ اهل الحميّة
ابـسهر عين ابظمه ابخوف بشبـــح من وجه المنية
لـلـعـايـلـة الـــــمــتألمة الاطفال تصرخ من الظمه
لـبـن أمّـج اولمخيّمه ابّـيــن تـوديــــع ووصـــيّة
هادي القصّاب:
هو المرحوم هادي بن عبد بن هادي بن إسماعيل بن إبراهيم العبايجي الشهير بالقصّاب نسبة إلى مهنته، ويعد من مشاهير الشعر الشعبي الحسيني ومن أدباء عصره في العراق.
شعره حلقة وصل بين الدارج والفصيح، فلاهو بالفصيح فيخرجه عن صفة الشعر الشعبي ولا هو بالعامّي المحض بحيث لا يفهمه الناس الذين لا يعرفون لهجة القرى والأرياف، بل هو نمط خاص يتكئ على اللونين المذكورين بطريقة خاصة بحيث تجعل شعره قوي السبك رائع الصورة دقيق الوصف.
نظم الشاعر القصاب في الأوزان والأطوار الشعرية كافة.. واشتهر بالقصائد الفنية، فقد نظم في هذا المجال في عام 1951 بيت موال إذا قرأته لا يتحرك لسانك وآخر إذا قرأته لاتتحرك شفتاك، وقصائد بدون حرف الألف وقصائد حروفها من دون نقط، وشعر الألغاز والتأريخ والمناسبات وشعر الديلاب.
توفي رحمه الله تعالى في 5/10/1980م إثر مرض عضال، وقد شيعه أهل النجف الأشرف باطيافهم كافة الى مثواه الأخير بجوار مقام الإمام صاحب الزمان (عجل الله فرجه).
من أبياته الوعظية الحسينية الخالدة:
تريد منّ الدنيه تنجه تريد من الخطر تسلم
آنه ادلّيك عله واحد بالنوايب بيك مهتم
هذا ابو اليمّه الحسين اعصتم بيه ودوم إلزم
لتخدعك آراء وفكر جم واحد بهذا البشر
شاف الأفاعي بالنظر وبس وصل يمه تسمّم
نشرت في الولاية العدد 76