لغة رثاء الامام علي(ع) في شعر السيد جعفر الحلي

JJJ

أ.م.د. حسين لفته حافظ

انّ من أهم ما تتميز به اللغة الأدبية أنها لا تظل حبيسة الدلالات المباشرة، وإنما تُعنى بالإيحاء، ومخالفة الاستعمال المعجمي المحدد الذي تحرص عليه اللغة العلميّة، وتتخللها الإشارات التاريخية والتداعيات، وتحرص في الوقت نفسه على الرمز الصوتي الذي يجسم مشهداً أو حدثاً سواء كان ذلك في صورة الوزن الشعري أو الإيقاع بصفة عامة أو اختيار الكلمات التي تعبر عن حالة نفسية معينة مثلاً(1), حيث إن في أسلوب الشعر قوة غامضة لبعض الكلمات وبعض التراكيب، تنتج من اجتماع هذه الكلمات أو التراكيب أو من جرسها فتتسبب استثارة الخيال، وتنفذ إلى صميم القلب، كما أن لأسلوب الشعر السحر الطبيعي الذي يرجع إلى قوة الصياغة التي تعبر بها اللغة عن معان وراء المعاني الاصطلاحية اللغوية(2).
واللغة الشعرية من المفاهيم النقدية ذات الاثر الواضح لأنها تمثل (القضيّة الأساسية التي تتصدر قضايا الشعر، فهي تشكل عصب الشعر ووجوده، ولا يمكن الدخول إلى عالم القصيدة مالم تكن اللغة الشعرية هي المدخل وهي الطريق)(3) لذا فقد حظيت بأهمية كبيرة في فهم عوالم النص الشعري، وطبيعة صياغته اللغوية، فاللغة الشعرية (هي اللغة التي يستطيع بها المؤلف أن يوصل تجاربه الخاصة بمنتهى القوة النافذة، وبغاية الدقة والوضوح، مع تصوير دقيق للتفاصيل الخفية) (4).
والشعراء الذين كتبوا قصائد في رثاء الإمام علي(عليه السلام) عرفوا جيدا أن الشعر ظاهرة لغوية في وجودها ولا سبيل إلى التأتي إليها إلا من جهة اللغة التي تتمثل بها عبقرية الإنسان وتقوم بها ماهية الشعر.
وفي ديوان الشاعر جعفر الحلي نجد ان الالفاظ التي تدل على العقيدة والحزن واليوم الاخر وحب الوصي والامامة والنور من اكثر الالفاظ شيوعا في القصائد التي رثى بها الامام عليا(عليه السلام)، ومنها: (الإمام، والخليفة، والبيعة، والشيعة، والولاية، والملك، والحرب، والسيوف، والجور، ودولة، وإمارة، وحكم، ووطن، وأمير المؤمنين، والخلافة…) (5).
ومن الأمثلة على ذلك قول الشاعر:
هذا الإمام الذي إِن فاهمِ قوَلُه      أَعطى إِلَيهِ الزَمان السَمع وَالبَصَرا (6)
ولفظة (الإمام) استعملها الشاعر للتعبير عن دلالتها الوضعية، وهي اللقب الديني، الذي يهتم ومن الالفاظ التي استعملها الشاعر لفظة (البيعة) فبقوله :
لَكَ بَيعة في عُنق كُل موحد           هِيَ لا تَزال وَلات حينَ مَناص
والملاحظ هنا ان لفظة البيعة هنا ترتفع عن دلالتها السياسية، إلى دلالة (روحية) تكشف عن عقيدة الشاعر وانتصاره للبيت العلوي، من خلال تقديم الولاية المطلقة التي لا يمكن أن يعهد بها البشر، بل هي ثوبٌ إلهي يلبسه من يشاء من صفوة خلقه.
ولعل الفاظ الحزن كان لها حضور واسع في ديوان الشاعر ومنها (دمع وقبر وحزن وحسرة ولوعة وعزاء وجور وشقاء وقتل ومحنة وفراق وفقد وبكاء وثكل )(7).
قَضـــى الزَمان أنَّ أعـــــياد الوَرى تَطـــــرق أهل البَيت بِالمَآتم
انظر إِلى نـــــــوروز آل فـــــاطـــــــم          قَــــــــد صَبغ الأُفقَ بِلَونٍ فاحم
وَالأَرض في محمر دَمع طرزت                 كَالوَرد إِذ لاحَ مِن الكَمائم
——————————————-
1. ينظر الديوان : 24,63.87,89
2. ينظر النقد الأدبي :83-108 .
3. لغة الشعر في الخطاب النقدي العربي، تلازم التراث والمعاصرة، د. محمد رضا مبارك، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1993 : 277 . وينظر شعر دعبل دراسة فنية : 17.
4. قواعد النقد الأدبي آسلآبركرومبي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط2، 1986: 45.
5. ينظر ديوان الشاعر جعفر الحلي : 93 .
6. ديوان الشاعر جعفر الحلي سحر بابل وسجع البلابل : 69
7. ينظر عبد الرضا علي، فائق مصطفى، في النقد الأدبي الحديث، منطلقات وتطبيقات :27

مقالات ذات صله