السيد ليث الطباطبائي
يمكن تعريف الطب التكميلي بأنه كل طريقة لا تستخدم العقاقير والأدوية في علاج الأمراض بل تستخدم طرقاً متعددة منها النباتات العشبية في العلاج .
والعلاج بالنباتات يعد شعبة من شعب الطب التكميلي وهناك فروع أخرى متعددة منه العلاج بماء زمزم والحجامة والفصد والكيّ والعلاج بالطاقة والوخز بالإبر الصينية والعلاج الارتدادي والعطري وغيرها.. فكل ذلك فروع للطب التكميلي.
الطب التكميلي موغل بالقدم، ونستطيع القول انّه كان منذ النشأة الأولى للبشرية، فحاجة الأمم لعلاج امراضها كانت تُلبّي من خلال تعاطي النباتات وتجربتها على من اصيبوا به بامراض متنوعة على مر العصور.
وتمّيز العرب في ذلك وهم الرواد الأوائل في مجال الطب التكميلي وفي صناعة الدواء واستخراجه وتقطيره وتقنينه.
التداوي بالأعشاب عند العرب
ويعدّ التداوي بالأعشاب الطبية من الظواهر العريقة في شبه الجزيرة العربية منذ قديم الزمان، وكان الأطباء العرب القدماء يؤمنون إيمانا قاطعا بأنه لا يوجد مرض لا يمكن علاجه بالنباتات، وقد تدرجت معرفة هذا النوع من التداوي من سلالة الى اخرى بالتوارث والتعلم والتجارب حتّى كوّنت ما يسمّى بالطبّ الشعبي في العالم العربّي المعاصر.
ولقد اشتهر العرب بتطوير التداوي بالأعشاب خلال القرون الوسطى، وانتشرت ابحاث ومخطوطات مبنية على قواعد قوية ومتينة إبان العصر الذهبي للطبّ الإسلامي، إذ انتشرت شهرة الأطباء العرب عبر العالم مع انتشار الإسلام وبالأخص عن طريق الحجّاج الذين يفدون الى مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وتمتاز الأقطار العربية باتساع رقعتها واعتدال أجوائها، لذلك فهي تملك ثروة طبيعية واقتصادية هائلة من الأعشاب الطبية والعطرية التي لا نظير لها، استخدمها قدماء المصريين والعرب من قديم الزمان، ويشهد على ذلك ما دوّنه المصريون في بردياتهم والعرب في مذكراتهم وموسوعاتهم عن النباتات الطبية، وما تحويه أسواق العطارين من الأعشاب والثمار والبذور التي يستخدمها العامة في علاج امراضهم.
وما يزال خبراء الطب التكميلي يستخدمون موسوعة ابن سينا وتذكرة داود الانطاكي ومؤلفات الطب النبوي وابن البيطار وغيرها من الكتب لعلاج الأمراض.
هذا وقد ورد الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة عن الأعشاب، ومثال ذلك قول النبي(صلى الله عليه وآله): (عليكم بأربع فإن فيهن شفاء من كل داء الا السام (الموت): السنا والسنّوت والثّفّاء والحبّة السوداء)، والسَّنا: نبات معروف من الادوية، والسنّوت: العسل او الكمّون والثّفّاء هو الخردل او حب الرشاد.
ويعدّ العرب أول من أسس مذاخر الأدوية أو الصيدليات في بغداد، وهم أول من استخدم الكحول لإذابة المواد غير القابلة للذوبان في الماء، وهم أول من استخدم السنمكي والكافور والقرنفل والحبة السوداء في التداوي، وأول من أماطوا اللثام عن كثير من أسرار هذه الأعشاب الطبية فاصبحت حقائق في العلوم والتكنلوجيا الحديثة.
لماذا سمي بـ(الطب التكميلي)؟
بعد مجيء الخاتم(صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت(عليهم السلام) بما رووه من أحاديث كثيرة في هذا الباب سمي بالطب النبوي او طب الأئمة (عليهم السلام) ويمكن الآن أيضا اطلاق هذا الاسم عليه.
ولكن ما وردنا منهم (عليهم السلام) هو القليل القليل من ذلك، فتطلب من خبراء الأعشاب وأهل الاختصاص التوسع والدخول إلى حضارات أخرى والإفادة من تجارب أخرى كطب الفراعنة والطب الصيني، ومن تجارب الخبراء اليومية ودراساتهم وتعمقهم في خصائص النباتات الطبية، فأصبح لديهم مزيج علمي من موارد متعددة، هذه من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن للطب التقليدي أن ينهض تماما بمهمة تشخيص الأمراض وعلاجها بدقة متناهية، وكذلك يجري الكلام في الطب المعاصر (الحديث)، فكل ذلك على نحو الظن لا القطع الجازم مع ما بلغ من التشخيص عبر الاشعاع والأجهزة المتطورة والتحاليل المتعددة في كشف الأمراض، وقد يعجز في كثير من الأحيان عن كشف المرض إلى ان يقضي المريض، وهذه الحقيقة لا يمكن تجاوزها، فلزم انْ يسمّى الطب التقليدي او القديم بالطب التكميلي للطب المعاصر لا بديلا عنه.
نشرت في الولاية العدد 77