التدبر في القرآن الكريم

 

GmatIntegratedReasoning

الشيخ صادق محمد علي

التدبر في اللغة: هو النظر في عواقب الامر والتفكر فيه والتَبَصُّر والتأمل(1)، وفي الاصطلاح : الأخذ بالشيء بعد الشيء.ومن الآيات التي جاء فيها لفظ التدبر:
1- قوله تعالى في سورة النساء : (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)(2)، وهو هنا بمعنى : التأمل في الآية عقيب الآية(3)، وذكرت اقوال عدة في الآية الكريمة منها: «ليعلم اليهود واهل النفاق انهم لا يقدرون على مثله فعرفوا انه ليس بكلام احد من الخلق»، وقيل: «ليعرفوا اتساق معانيه وائتلاف احكامه»، وقيل: «ليعلموا كيف اشتمل على أنواع الحكم ومكارم الأخلاق مع فصاحة اللفظ وجودة النظم وصحة المعنى فيعرفوا انه خلاف كلام البشر والأولى أن تحمل الآية على الجميع لان من تدبر في القرآن علم جميع ذلك»(4).
وقال العلامة الطباطبائي في تفسير الآية « فالمراد ترغيبهم أن يتدبروا في الآيات القرآنية ويراجعوا في كل حكم نازل من حكمة مبينة أو قصة أو عظة أو غير ذلك جميع الآيات المرتبطة به مما نزلت مكيتها ومدنيتها ومحكمها ومتشابهها ويضم البعض الى البعض ليظهر لهم انه لا اختلاف بينها»(5).
2- وجاء أيضاً في قوله تعالى: (أفلم يدبّروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين)(6) أن اللام في (القول) للعهد والمراد به القرآن الكريم الذي تلاه الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) عليهم، شروعاً في قطع اعذارهم في الاعراض عن القرآن النازل لهدايتهم وعدم استجابتهم للدعوة الحقة(7)، والاستفهام للتوبيخ وضمير الجمع راجع الى المذكورين في الآية السابقة، وتنكير (قلوب) في قوله تعالى: (أم على قلوب اقفالها) كما قيل للدلالة على ان المراد قلوب هؤلاء وامثالهم(8)، وهم الذين ذكرتهم بانهم عموا وصموا (اولئك الذين لعنهم الله فاصمهم واعمى ابصارهم)(9).
وتحت عنوان (في الاشارة الى آداب الناظرين والمتدبرين في علم القرآن) ذكر صدر المتألهين الشيرازي في مفاتيح الغيب(10) نقاطاً مهمة عدة تتعلق بالتدبر وهي:
1- حاجة التدبر الى قريحة واعية ونافذة لتكشف مكنوناته.
2- طهارة القلب من المعاصي والعقائد الفاسدة ليتاح للفرد النفوذ الى باطن القرآن، ويتسنى لأنوار القرآن الولوج الى اعماقه .
3- الاستنباط: وهو ان يستوضح من كل آية ما يليق بها، إذ ما من علم إلا وفي القران أصله وفرعه ومبدؤه ومنتهاه.
4- التخلي عن موانع الفهم، وهو غير تطهير القلب عن درن المعاصي وخبث الصفات الذميمة.
وشبّه صفحة القلب بالمرآة ، فكما أنها لا تنعكس فيها الصورة بوضوح الا بشرطين: إزالة الحجاب أو الرين العالق بها الذي يحول بينها وبين الشيء، والمحاذاة بينها وبين الشيء وهو ان تكون مقابلة له، كذلك لا يتم للقلب التدبر ورؤية حقائق الأشياء إلا بمثل ذلك من إزالة المعاصي والذنوب كالحسد والكبر وغيرها، وذكر ان الحجب التي تمنع القلب من التدبر أربعة هي:
أ- إفراغ الوسع في مخارج الحروف والقراءة مع عدم توجّه القلب إلى عالم المعاني .
ب- التقليد والتعصب لمذهب من مذاهب التفسير بلا بصيرة.
ج- الجمود والوقوف على ما قرأه من التفسير منقولا عن اصحاب التفسير، وان ما وراء ذلك تفسير بالرأي، وان من تجاوز ذلك يرد عليه مفاد: «من فسر القران برأيه فقد تبوّأ مقعده من النار» فهذا ايضا من الحجب العظيمة، وان ما فهموه يناقض قول امير المؤمنين(عليه السلام): «الا ان يؤتى العبد فهما في القران» وانه لو كان المعنى مقصورا على ظاهر المنقول، لما وقع فيه الاختلاف بين الناس.
د- الاستغراق بعلم العربية ودقائق الألفاظ ، وصرف العمر في تحقيقها(11).

——————-

1- ظ :اقرب الموارد ، سعيد الخوري ، مادة :دبر .
2- سورة النساء ، الاية 82 .
3- الميزان في تفسير القران ، العلامة الطباطبائي 5/19.
4- مجمع البيان ، الطبرسي 3/81 .
5- الميزان في تفسير القران 5/19 .
6- سورة المؤمنون ، الاية 68 .
7- الميزان في تفسير القران 15/44 .
8- الميزان في تفسير القران 8/241 .
9- سورة النساء ، الاية 52 .
10- مفاتيح الغيب ، الشيرازي 1/139 .
11- مفاتيح الغيب ، صدر المتالهين الشيرازي 1/141 .

 

نشرت في الولاية العدد 78

مقالات ذات صله