آراء الإمام الباقر(ع) في تفاسيرِ العامـة

HFGD

د. عصام كاظم الغالبيّ

زخرت تفاسيرُ الإمامية قديما وحديثا بآلاف الأحاديث المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) ولا سيما الإمام الباقر(عليه السلام) في تفسير آيات القرآن وبيان معاني كلماته.
كيف لا، وهم عِدل القرآن وفي بيوتهم نزل، فالقرآن وأهل البيت(عليهم السلام) هما الثقلان اللذان خلّفهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينا، وقد نهى عن التقدّم عليهما قائلا: «ولا تقدموهما فتَهلكوا، ولا تُعلّموهما فإنّهما أعلمُ منكم».

 

الاستشهاد في تفاسير العامة :
أما تفاسير العامّة فلم تكن على مستوى واحد من ناحية الاستشهاد بأقوال الإمام الباقر(عليه السلام) واستشهادُها بأقواله قليل جدا إذا ما قيست بتفاسير الإمامية أو باستشهاد هذه التفاسير بأقوال الصحابة والتابعين من غير الإمامية.
فمن التفاسير ما لم تستشهد بأقوال الإمام(عليه السلام) ولم تروِ عنه أيّ شيء يتعلق بتفسير كلمات القرآن أو آياته: تفسير الوجيز للواحدي والتسهيل لعلوم التنزيل لابن الجزري وتذكرة الأريب وتفسير ابن عرفة وتفسير ابن عبد السلام وتفسير التستري وتفسير الصنعاني وتفسير الجلالين وتفسير دقائق التفسير وغيرها.
ومن التفاسير ما يكاد ينعدم استشهادها بأقوال الإمام (عليه السلام) إذ لم تذكر الإمام سوى مرة واحدة أو مرتين، وعلى سبيل المثال لا الحصر تفسير الكشاف الذي لم يذكر الإمام الباقر (عليه السلام) سوى مرة واحدة، وذلك في تفسيره قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) البقرة (234)؛ إذ روى عن الإمام الباقر رواية تتعلق بموضوع الآية(1).
وكذلك تفسير البحر المديد لابن عجيبة الذي نقل عن الإمام (عليه السلام) مرة واحدة، وذلك في تفسير قوله تعالى 🙁 وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) الفرقان (72)، فقد روى عن الإمام الباقر قوله: (إذا ذَكروا الفروج كفوا عنها)(2).
ومنها أيضا تفسير أبي السعود الذي روى قراءة عن الإمام(عليه السلام) وذلك في تفسير قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الانفال)(الأنفال/1) ، فذكر أن الإمام الباقر وغيره قرؤوا (يسألونك الأنفال) بحذف (عن)(3).
وكذلك تفسير النسفي وذلك في تفسير قوله تعالى: (وإِذا مَرُّوا باللغو) فقد روى عن الإمام الباقر(عليه السلام) في تفسيرها قوله: «إذا ذَكروا الفروج كنوا عنها» وهو لا يختلف عن البحر المديد إلا في الفعل ففي البحر المديد (كفّوا) وفي النسفي (كنّوا)(4).
ومثله تفسير أضواء البيان في تفسير قوله تعالى: (فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم ) (التوبة/5) فقد روي عن الإمام الباقر(عليه السلام) أن هذه الأشهر هي المقصودة في قوله تعالى 🙁 مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلك الدين القيم فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُم) (التوبة/36)(5).
وقريب منها تفسير التحرير والتنوير الذي لم يروِ عن الإمام(عليه السلام) سوى مرتين، منهما ما ورد في تفسير قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ) (الدخان/3) قائلا: «واختلف في الليلة التي ابتدئ فيها نزول القرآن على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من ليالي رمضان، فقيل: هي ليلة سبعَ عشرة منه ذكره ابن إسحاق عن الباقر(عليه السلام) أخذاً من قوله تعالى: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) (الأنفال/41) فإن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) التقى هو والمشركون ببدر يوم الجمعة صبيحة سبعَ عشرة ليلة من رمضان.. أي تأوّل قوله تعالى 🙁 وما أنزلنا على عبدنا) (الأنفال/41) أنه ابتداء نزول القرآن»(6).
وكذلك تفسير زاد المسير لابن الجوزي في تفسير قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (الكوثر/2) ؛ إذ روى عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن النحر رفع اليدين بالتكبير إلى النحر (6) .
وقريب منهما تفسير النكت والعيون للماوردي؛ إذ لم يستشهد بأقوال الإمام (عليه السلام) سوى نحو خمس مرات منها في معنى كلمة (طه) ، فقد روى عن الباقر أن معناها طوبى لمن اهتدى، قائلا : «وهذا قول محمد الباقر بن علي زين العابدين رحمهما الله». (7)
ومن التفاسير ما وصل استشهادها بأقوال الإمام(عليه السلام) إلى نحو عشر مرات أو أكثر، نحو تفسير المحرر الوجيز وتفسير البغوي والسراج المنير وتفاسير الطبري والرازي والنيسابوري والكشف والبيان وابن كثير والقرطبي واللباب وغيرها.

الاستشهاد في تفاسير العامة المتأخّرين:
وبعد استقراء ما ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام) في هذه التفاسير وجدتُ أن أكثر تفاسير العامة استشهادا بأقوال الإمام هو تفسير روح المعاني للآلوسي؛ إذ بلغت الروايات المنسوبة إلى الإمام الباقر في هذا التفسير أكثر من خمسين رواية، ولعل السبب في ذلك هو تأخّر الآلوسي ونقله أغلب ما أورده المفسرون عن الإمام(عليه السلام) في تفاسيرهم.
وقد نوّع الآلوسي في تفسيره الأخذ من الإمام الباقر(عليه السلام)، فتارة ينقل عنه تفسير آية كاملة وتارة تفسير كلمة وبيان معناها، وتارة يروي عنه عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وتارة ينقل عنه فيمن نزلت الآية القرآنية، وتارة ينقل عنه حكما شرعيا وتارة يروي قراءته إذا كانت اللفظة القرآنية قد قُرِئتْ بأكثرَ من قراءة، وأحيانا ينقل ما رُوِيَ عنه فيكذّب راويه أو ينفي صدورها عن الإمام(عليه السلام) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ينظر : الكشاف : 1 / 372
(2)ينظر : البحر المديد لابن عجيبة : 4 / 315
(3)ينظر : إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود : 3 / 91
(4)ينظر : مدارك التنزيل وحقائق التأويل : 3 / 178
(4)ينظر : أضواء البيان للشنقيطي : 2 / 115
(5)التحرير والتنوير لابن عاشور : 13 / 262
(6)ينظر : زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي: 8 / 320
(7)ينظر : النكت والعيون للماوردي : 4 / 118.

 

نشرت في الولاية العدد 80


 

مقالات ذات صله