إذن في القرآن الكريم

KLPJPLHJB

أ.د. عائد كريم الحريزي

إذن: حرف جواب وجزاء ـ عند النحاة ـ وردت في القرآن الكريم 31 مرة، واختلفوا في نوعها وعملها، فهي من الحروف عند الجمهور، وهي من الأسماء على رأي بعض الكوفيين (مغني اللبيب 1/119)، والأصل في (إذن أكرمك): (إذا جئتني أكرمك) ثم حذفت الجملة وعوض التنوين عنها (التصريح على التوضيح 2/234)، وهي بسيطة عند جماعة من النحاة، ومركبة من (إذ، وأن) أو من (إذا وأن) عند عمر بن عبد المجيد الرندي (همع الهوامع 2/6).

 

إذن المركبة وأثرها النحوي :
والأرجح ـ عندي ـ ان (إذن) مركبة من (إذا وأن) وفاقا للرندي لأنها وردت في القرآن في سياق شرط او في سياق آخر لا شرط فيه، ولكن السامع او القارئ يشم منه رائحة الشرط او انها (إذ) نونت فصارت (اذن) وسياقها في القرآن لا يستبعد ذلك.
ولا أؤيد من يقول: إنها تعمل بإضمار (أن) بعدها، لأن الثقل وانسجام الألفاظ والحروف مع بعضها وتآلفها هو الذي يؤثر في تبديل الحركات وتغييرها، فكيف يحصل الانسجام والتغيير بين (أن) والفعل وهي محذوفة لم ينطق بها عربي ولو على طريق الندرة او الشذوذ؟ وكيف نقدّر اداة تشترك مع الأداة الظاهرة في مكوناتها، وما فائدة التقدير؟
وأرى ان قسما من العرب ينصبون بعدها تخلصا من الثقل والطول اللذين يلحقان الفعل بارتباطه بها، وليس بـ(أن) التي قدرها بعض النحاة بعدها.
ووقوع إذن حشوا او مقيّدا بالحال لا يمنع من النصب، ولا يحول دونه ـ كما ذكر الجمهورـ لأن النصب وامتناعه، وجوازه متوقف على ثقل الفعل وطوله اللذين تحددها شدة التصاق الأداة به، وفصلها عنه، وبناء على هذا تقرر ما يأتي:
1. يجب نصب الفعل ـ عند من ينصبون بعد اذن ـ اذا سبقته ولاصقته نحو: (إذن اكرمك) جوابا لمن قال: سأزورك، ولا شذوذ ولا ضرورة في قول الراجز:
لا تتركني فيهم شطيرا            اني اذن اهلك او اطيرا
2. يجب رفع الفعل ـ عند من ينصب بعدها ان تقدم عليها نحو: (أكرمك اذن) او فصل بينهما فاصل يبعدها كثيرا عن الفعل.
3. يجوز نصب الفعل بعدها ورفعه ـ عند هؤلاء ـ ان فصل بينها وبينه بـ (لا) وقراءة النصب في قوله تعالى: (وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً) «الإسراء/76» وقوله: (فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) «النساء/53» وقوله: (وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا) «الأحزاب/16» هي قراءة طبيعية مقبولة غير شاذة ولا مؤولة ـ كما زعم النحاة- وهي لا تقل في اتساقها مع روح اللغة ومع الذوق العربي عن قراءة الرفع فيها، ولا علاقة لرفع الفعل او نصبه في الآيات الثلاث بسبقها بالواو او الفاء ولكن العلاقة كلها منصبة على وجود (لا) فاصلة بينهما، فمن اعتد بها رفع، ومن لا، نصب، لأن الذوق يرتضي النصب، ولا يتنافر معه إن لم يفصله هنا، لقلة الفاصل وخفته.

إذن الشرطية:
و(إذن) في القرآن، وردت في سياق أكثره مؤكد بمؤكدين او ثلاثة وجاءت في سياق أكثره شرط، والقسم الآخر القليل لا شرط فيه وهو قسمان:
أ. هو القسم الذي كان اتصاف المتحدث بصفة ثابتة ان لم تكن (اذن) موجودة، وبوجودها يكون اتصافه وقتيا حيث حصول الحادث فقط، ومن ذلك قوله تعالى: (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) «الشعراء/20».
ذلك ان القائل هو موسى (عليه السلام) ومعنى الآية من غير (اذن) يكون الضلال صفة ثابتة فيه، لأنه قد اخبر عن نفسه بالجملة الاسمية وبوجود(اذن) كما في الآية يكون من الضالين في وقت محدد هو الوقت الذي قتل فيه القبطي.
ب. قسم بوجود (إذن) تنفى الصفة عن المتحدث او المتحدث عنه ولو حذفت لاتصف المتحدث بتلك الصفة، وشاهد ذلك قوله تعالى: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) «الأنعام/56»، القائل هنا مهتد، وغير ضال، ولو حذفنا (إذن) في غير القرآن وقلنا: (قل لا اتبع اهواءكم قد ضللت وما انا من المهتدين) لكان القائل معترفا بضلالته مقرا بانه ليس من المهتدين، ويشعر السامع كأن السياق سياق شرط، يكون تصوره هكذا: (ولو اتبعت اهواءكم لضللت وما أنا من المهتدين)، وهذا الذي جعلني أؤيد من قال انها مركبة من إذا الشرطية وان مرة، وهي (إذ) نوّنت مرة ثانية، لأن اتصاف الذات في سياقها وقتي، وهذا معنى (إذ) اي (حين) ومثل ذلك قوله تعالى: (وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ الله خَيْرًا الله أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) «هود/31».
المتحدث هنا هو نوح (عليه السلام) ليس من الظالمين نظرا لوجود (إذن) في السياق التي تشعر بشرط او يشم منها ومن سياقها اسلوب شرط كأنه: (ولو فعلت اني لمن الظالمين)، ولو حذفت (إذن) في غير القرآن نحو (اني لمن الظالمين)، لكان مؤكدا على نفسه الظلم بثلاث مؤكدات هي إن، واللام، والجملة الاسمية الدالة على الثبوت.
ومنه قوله تعالى: (قَالَ مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ) «يوسف/79»
القائل هنا يوسف (عليه السلام) وهو ليس ظالما لوجود (إذن) ولو حذفت لكان ظالما، ويكون التعبير (إنا لظالمون..).
ومنه قوله تعالى: (مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ) «الحجر/8»، والمعنى في وجود (إذن) ان الملائكة منظرون، وفي حذفها غير منظرين، ومنه قوله تعالى: (فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) «الكهف/14».
المعنى مع (إذن) هو لم يقولوا شططا، وفي حذفها يكون التعبير (لقد قلنا شططا) وبه يثبتون الشطط على انفسهم، ويقرون به ويعترفون.
اما القسم المشتمل على شرط فهو الأكثر في سياق (إذن)، ومن شواهده قوله تعالى:
1- (وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ) «الأعراف/90».
2- (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ) «يوسف/14».
3- (وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ) «المؤمنون/34».
4- (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) «البقرة/145».
5- (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ) «يونس/106».
هذه الآيات كلها مؤكدة بمؤكدين او ثلاث اذ يراد من ذلك توكيد ما في سياقها، وان جواب الشرط فيها حاصل لا محالة بل حصل الشرط الذي قبله، وأن الجزاء هنا عاقبته وخيمة، ومؤكدة هي خسارة او ظلم، هذه الظروف الاسلوبية هي التي جاءت في سياقها (إذن) والفرق بين (إنا لخاسرون) و(إنا اذن لخاسرون) هو ان (إنا لخاسرون) اعتراف منهم بالخسارة، وأما (إنا اذن لخاسرون) عدم الاعتراف بالخسارة، ولكنها متوقعة ومتوقفة على امر آخر ان فعلوه وفي وقت معين فقط هو وقت عمل الفعل المنهي عنه اي انها خسارة وقتية.
وكذلك في الاية من سورة البقرة وسورة يونس فان (إذن) تنفي الظلم فيهما قطعا ولو حذفت (إذن) منهما لحصل لبس، واصبح نفس الظلم فيهما احتمالا.
فلو نظرنا إليهما كما هما في القرآن مرة، وحذفنا منهما (إذن) لاتضح الأمر تماما، قال تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) «البقرة/145».
المعنى ان اتبع اهواءهم هو من الظالمين، وان لم يتبع فهو ليس منهم، ولو حذفنا (إذن) لاحتمل ان يكون من الظالمين اتبع أم لم يتبع، وكذلك الأمر في اية يونس.

 

نشرت في الولاية العدد 80

مقالات ذات صله