كيف تغير نفسك؟

Untitled-1_4

مرتضى الخزاعي

لقد سئم كثير من الشباب حياة الغفلة والبعد عن الله تعالى، وتاقت نفوسهم إلى حياة الطهر والعفة والاستقامة، يريدون أن يعيشوا حياة طيبة سعيدة هادئة مطمئنة، بعيدة عن نيران الشهوات وأشواك المعاصي والمخالفات.

إنهم ينتظرون رياح التغيير، ونسمات الإصلاح، ووميض التوبة، وإشراقات الاستقامة، فيتساءلون في حيرة.
كيف نغيِّر أنفسنا؟
كيف ننهض من كبوتنا؟
كيف نستيقظ من غفلتنا؟
كيف نعالج واقعنا الأليم؟
أخي الحبيب، إن مجرد تفكيرك في التغيير يعدُّ -بحدّ ذاته- نوعاً من التغيير؛ لأن هناك جماعة من الشباب ألفوا حياة الغفلة، واستساغوا مسيرة الضياع، واستحسنوا طريق الشهوات، فهم لا يبحثون عن التغيير؛ بل لا يتصورون ترك هذه الحياة التي يعيشونها طرفة عين، ولذلك فإنهم لا يشعرون بألم البعد عن الله ولا يحسون بوحشة، وهؤلاء موتى في صورة أحياء، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، وهذا نتيجة تراكم الذنوب على القلب، فما دمت تسأل عن التغيير وما دامت نفسك تتطلع إلى السمو والارتقاء نحو المعالي فإن ذلك يدل على حياة في قلبك وخير في نفسك، ولكن مجرد التفكير في التغيير المطلوب والاكتفاء به دون إحداث خطوات عملية نحو التغيير الحقيقي يجعل هذا التفكير مجرد أماني باطلة لا تنفع صاحبها المفلس.
خطوات:
أما الخطوات العملية نحو التغيير فيمكن إجمالها فيما يأتيصص:
1- التأمل في عظم الجناية:
التفكير في التغيير لا يحصل إلا بالتأمل في عظم الجناية نتيجة الغفلة والإعراض عن الله عزَّ وجلَّ، فيشاهد القلب من خلال هذا التأمل عظمة الرب سبحانه وتعالى وأنه خالق هذا العالم، وأنه رازق هذه الكائنات جميعاً، وأنه المحيي المميت الفعال لما يريد، وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
2- العزيمة الصادقة:
بعد أن يتطلع القلب إلى التغيير لابد من العزيمة الصادقة على هذا التغيير؛ لأنه لولا هذه العزيمة سرعان ما يفتر القلب، والعزيمة هي العقد الجازم على المسير في طريق الاستقامة، ومفارقة كل قاطع ومعوق، ومرافقة كل معين وموصل، فهي سبب في استمرار انزعاج القلب وانتباهه ورغبته في التغيير.
3- التوبـة:
والتوبة هي الرجوع عمَّا يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه الله ظاهراً وباطناً، وهي واجبة؛ لقوله تعالى: «وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».
4- المسارعة والفورية:
إن عملية التغيير من المعصية إلى الطاعة، ومن الاعوجاج إلى الاستقامة واجب على الفور، فهي لابد أن تسير بخطى سريعة ولا يجوز في ذلك التراخي أو الانتظار؛ لأن البطء يمكن أن يؤدي إلى التكاسل عن إتمام تلك العملية، ومن ثم الى الانسحاب من المعركة دون تحقيق شيء من النصر.
5- العلم:
إن عملية التغيير وهي الجانب العملي، لابد أن يرافقها جانب علمي، وهذا الجانب العلمي هو الذي تنضبط به عملية التغيير، فلا تنحرف لا إلى التفريط ولا إلى الإفراط، وإنما تسير على المنهج الوسط الذي ارتضاه الله تعالى لعباده.
6- التقيد بالكتاب والسنة:
على طالب التغيير أن يتقيد بالكتاب والسنة وما دار في فلكهما، وليحذر أشد الحذر من أهل الأهواء والبدع، فإن فتنتهم عظيمة وخطرهم كبير، فعليه في باب الاعتقاد أن يعتقد بما ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه واله) وأهل بيت الوحي ( عليهم السلام )، وهي العقيدة الصحيحة التي لا نجاة للمرء إلا باعتقادها.
7- الجدية:
الجدية مطلب أساس لطالب التغيير، فإن بعضاً من الملتزمين افتقدوا الجدية، فتساهلوا في بعض القضايا، وتميعت لديهم بعض المفاهيم، وتنازل بعضهم عن كثير من الأمور الشرعية حتى صار الالتزام لديهم مجرد شكل دون مضمون.
8- تبديل الاهتمامات:
على طالب التغيير أن يقوم بتبديل اهتماماته وفقاً لمنهج الإسلام الذي ارتضاه، فيترك ما كان عليه من اهتمامات باطلة ويجعل مكانها غيرها من الاهتمامات النافعة، مثال ذلك: أن يترك الممارسات المحرمة؛ كالزنى واللواط والعادة السرية والمعاكسات بأنواعها، ويترك سماع الغناء ومشاهدة سموم القنوات، وترك الكبر والغرور والسخرية والاستهزاء بالآخرين وتترك المرأة التبرج والسفور وتغيير خلق الله عزَّ وجلَّ، وتترك مجالس الغيبة والسخرية والنميمة والكذب.
ويتجه الجميع إلى طاعة الله عزَّ وجلَّ وذكره وشكره ودعائه في السراء والضراء، ويتجهون إلى تلاوة كتاب الله عزَّ وجلَّ وحفظه وتدبره وتعلُّمه وتعليمه، ويلجؤون إلى الصلاة والمحافظة عليها، وإلى حضور مجالس العلماء، ومجالس الوعظ والإرشاد والمجالس الحسينية التي يُحيا فيها ذكر آل محمد، والتوجه إلى زيارة مراقد الأئمة الأطهار لما تمثله من إحياء للسنة والقيم التي حملوها (عليهم السلام) والقراءة في كتب أهل العلم إلى غير ذلك من الأمور الجادة التي تدل على صدق المرء في توجهه نحو التغيير الصحيح.
9- تغيير الصحبة:
من المتعين على الشاب طالب التغيير – وهو في بداية الطريق – أن يقطع علاقاته بأهل الفساد والغواية ؛ لأنه إن استمر معهم لم يكن صادقاً في توجهه نحو التغيير، فهو إن لم يشاركهم في منكرهم شاركهم في الإثم بالجلوس معهم.
10- الصبر والمجاهدة:
إن عملية التغيير ليست بالأمر اليسير، فإنها ميلاد جديد وحياة بعد موت، ولذلك فإنها تحتاج إلى صبر ومجاهدة، وبهذا الصبر والمجاهدة يتبيَّن الصادق من الكاذب، فالصادق يتجرع مرارة الصبر، ويجاهد نفسه على طاعة الله عزَّ وجلَّ، ولا يزال في صبر ومجاهدة حتى تألف نفسه الطاعة، وتنفر من العصيان، أما الكاذب فإنه لا يقدر على ذلك، بل يستسلم لأول بارقة من فتنة، وينكص على عقبيه ويعود القهقرى. قال تعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ».

 

نشرت في الولاية العدد 80

مقالات ذات صله