الشريف الرضي وكتابه خصائص الأئمّة

Book_of_a_Wizard_by_st3to

الشيخ مهند العقابي

كان أوحد علماء عصره، إذ كان أديبا بارعا متميزا وفقيها متبحّرا ومتكلما حاذقا ومفسّرا لكتاب الله، أخفت مكانة أخيه «المرتضى» العلمية شيئا من مكانته العلمية، كما أخفت مكانته الشعرية شيئا من مكانة أخيه الشعرية، ولهذا قال بعض العلماء: لولا «الرضي» لكان «المرتضى» أشعر الناس، ولولا «المرتضى» لكان «الرضي» أعلم الناس.. وقد ظهر فضله في مؤلفاته..

 

ذكره الثعالبي في كتاب اليتيمة فقال في ترجمته: ابتدأ يقول الشعر بعد ان جاوز عشر سنين بقليل وهو اليوم أبدع انشاء الزمان وانجب سادة العراق يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظاهر وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر ثم هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر على كثرة شعرائهم المفلقين ولو قلت إنه أشعر قريش لم ابعد عن الصدق وسيشهد بما أخبر به شاهد عدل من شعره العالي القدح الممتنع عن القدح الذي يجمع إلى السلاسة متانة وإلى السهولة رصانة ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مداها, وكان أبوه يتولى قديما نقابة نقباء الطالبيين ويحكم فيهم أجمعين والنظر في المظالم والحج بالناس ثم ردت هذه الأعمال كلها إلى ولده الرضي في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. تقلد الشريف الرضي نقابة الطالبيين في سائر الممالك، وخُلِعَتْ عليه خلعة سوداء . وهو أول طالبي خُلِعَ عليه السواد.
كتاب الخصائص
مع الاسف الشديد لم يكمل الرضي من كتابه خصائص الائمة الا خصائص امير المؤمنين(عليه السلام), واليك ايها القارئ الكريم مقدمة الكتاب التي كتبها مبيناً سبب تأليفه وطريقة تبويبه:
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت – حفظ الله عليك دينك وقوى في ولاء العترة الطاهرة يقينك – سألتني أن أصنف لك كتابا يشتمل على خصائص أخبار الأئمة «الإثني عشر صلوات الله عليهم وبركاته وحنانه وتحياته على ترتيب أيامهم وتدريج طبقاتهم، ذاكرا أوقات مواليدهم ومدد أعمارهم وتواريخ وفاتهم ومواضع قبورهم وأسامي أمهاتهم ومختصرا من فضل زياراتهم، ثم موردا طرفا من جوابات المسائل التي سئلوا عنها واستخرجت أقاويلهم فيها، ولمعا من أسرار أحاديثهم وظواهر وبواطن أعلامهم ونبذا من الاحتجاج في النص عليهم، وحقيقة البرهان في الإشارة إليهم، موضحا من ذلك ما يزيد به الولي المخلص إخلاصا في موالاتهم، وصفاء عقد في محبتهم، ويصدع عن عين عدوهم العمى، ويكشف عن قلبه العمى، حتى يستشف أنوارهم فيسعوا إليها ويستوضح أعلامهم فيتتبعها ويقتفيها سالكا في جميع ذلك طريق الاختصار، ومائلا عن جانب الاكثار، لأن مناقب موالينا الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين لا تحصى بالعدد ولا تقف عند حد، ولا يجرى بها إلى أمد..
الى أن يقول: وعدت وقد قوي عزمي على عمل هذا الكتاب إعلانا لمذهبي، وكشفا عن مغيبي وردا على العدو الذي يتطلب عيبي ويروم ذمي وقصبي، وأنا بعون الله مبتدئ بما ذكرته على الترتيب الذي شرطته، والله المنقذ من الضلال، والهادي إلى سبيل الرشاد.

نماذج من خصائص امير المؤمنين في كتابه
يطيب لنا ان نذكر في هذا الباب نماذج من الخصائص التي ذكرها الشريف الرضي في كتابه اتماما للفائدة ولنمتع انظارنا بطرف من تلك الخصال الحميدة لمولى الموحدين (صلوات الله وسلامه عليه).
ففي باب تسميته(عليه السلام) بأمير المؤمنين في حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: بإسناد مرفوع إلى بريدة الأسلمي أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أمر أصحابه أن يسلموا على علي (عليه الصلاة والسلام) بإمرة المؤمنين، فقال عمر ابن الخطاب: يا رسول الله أمن الله أم من رسول الله ؟ فقال(صلى الله عليه وآله): بل من الله ومن رسوله.
ومن مسائل سأله عنها ابن الكواء فقال: كم بين المشرق والمغرب؟ قال(عليه السلام): مسيرة يوم مطرد للشمس. وهذا أخصر كلام يكون وأبلغه.
وبإسناد مرفوع قال: اجتمع نفر من الصحابة على باب عثمان بن عفان فقال كعب الأحبار: والله لوددت أن أعلم أصحاب محمد عندي الساعة فأسأله عن أشياء ما أعلم أحداً على وجه الأرض يعرفها ما خلا رجلا أو رجلين إن كانا، قال: فبينما نحن كذلك إذ طلع علي بن أبي طالب(عليه السلام) قال: فتبسم القوم. قال: فكأن عليا(عليه السلام) دخله من ذلك بعض الغضاضة فقال لهم : لشيء ما تبسمتم؟ فقالوا: لغير ريبة ولا بأس يا أبا الحسن إلا أن كعبا تمنى أمنية فعجبنا من سرعة إجابة الله له في أمنيته، فقال(عليه السلام) لهم: وما ذاك ؟ قالوا: تمنى أن يكون عنده أعلم أصحاب محمد(عليه السلام) ليسأله عن أشياء زعم أنه لا يعرف أحدا على وجه الأرض يعرفها.
قال فجلس (عليه السلام) ثم قال: هات يا كعب مسائلك. فقال : يا أبا الحسن أخبرني عن أول شجرة اهتزت على وجه الأرض؟ فقال(عليه السلام): في قولنا أو في قولكم؟ فقال: بل أخبرنا عن قولنا وقولكم، فقال(عليه السلام): تزعم يا كعب أنت وأصحابك أنها الشجرة التي شق منها السفينة، قال كعب: كذلك نقول.
فقال(عليه السلام): كذبتم يا كعب ولكنها النخلة التي أهبطها الله تعالى مع آدم(عليه السلام) من الجنة، فاستظل بظلها وأكل من ثمرها.. هات يا كعب.
فقال: يا أبا الحسن أخبرني عن أول عين جرت على وجه الأرض، فقال(عليه السلام): في قولنا أو في قولكم؟ فقال كعب: أخبرني عن الأمرين جميعا، فقال(عليه السلام): تزعم أنت وأصحابك أنها العين التي عليها صخرة بيت المقدس، قال كعب: كذلك نقول، قال: كذبتم يا كعب ولكنها عين الحيوان وهي التي شرب منها الخضر فبقي في الدنيا.
قال(عليه السلام) هات يا كعب، فقال: أخبرني يا أبا الحسن عن شيء من الجنة في الأرض فقال(عليه السلام): في قولنا أو في قولكم، فقال: عن الأمرين جميعا، فقال(عليه السلام): تزعم أنت وأصحابك أنه حجر أنزله الله من الجنة أبيض، فاسودّ من ذنوب العباد، قال: كذلك نقول.
قال: كذبتم يا كعب ولكن الله أهبط البيت من لؤلؤة بيضاء جوفاء من السماء إلى الأرض فلما كان الطوفان رفع الله البيت وبقي أساسه.. هات يا كعب.
قال: أخبرني يا أبا الحسن عمن لا أب له، وعمن لا عشيرة له، وعمن لا قبلة له، قال : أما من لا أب له فعيسى(عليه السلام)، وأما من لا عشيرة له فآدم(عليه السلام)، وأما من لا قبلة له فهو البيت الحرام، هو قبلة ولا قبلة لها. . هات يا كعب.
فقال : أخبرني يا أبا الحسن عن ثلاثة أشياء لم ترتكض في رحم ولم تخرج من بدن، فقال(عليه السلام) له: هي عصا موسى(عليه السلام)، وناقة ثمود وكبش إبراهيم .
ثم قال هات يا كعب، فقال: يا أبا الحسن بقيت خصلة فإن أنت أخبرتني بها فأنت أنت.
قال: هلمها يا كعب.
قال : قبر سار بصاحبه، قال: ذلك يونس بن متى إذ سجنه الله في بطن الحوت.

 

نشرت في الولاية العدد 81

مقالات ذات صله