الحاكم والقائد في فكر الإمام علي(ع)

 

www.imamali-a.com (205) - Copy

د. علي عبد المطلب علي خان

اكد الامام علي(عليه السلام) في وصاياه على عظمة النهضة الاسلامية المحمدية الأصلية وقوة خصائصها وقدرتها على ادارة الحياة والسير نحو التحضر وبناء المجتمعات على مر الايام والدهور.
ومن ابرز ما اكد عليه في هذا المجال ما يتعلق بالشخصية القيادية و ضرورة استعداد الحاكم نفسيا وفكريا ليكون رحمةً لأبناء أمته وخادما يعمل على تقديم المساعدة لهم وقيادتهم في الظروف المختلفة ليتسنى لهم العيش في حياة كريمة.
الأمانة والعدل شرط الحاكمية
ان الوعي وسعة الفكر من الاسس الاولى التي اكد عليها الامام علي(عليه السلام) في شخصية الحاكم المتصدي لقيادة الامة، اذ اكد(عليه السلام) على الامانة والابتعاد عن ظلم الامة وابنائها ومحاربة الفساد الاداري والنفسي، ذ ان تلك الشروط اساس النجاح.
يقول النبي الاكرم(صلى الله عليه وآله) في هذا الخصوص: ((امراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، واعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون عليّ حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وانا منهم، ويردون علي حوضي)).

التصدي للمفسدين والوصوليين
كانت آليات عمل الحاكم الذي تؤول اليه امور الامة من الاوليات التي يجب ان يحددها في مسيرة حكمه، وان تكون تلك الاوليات منهاجا ثابتا في ادارة الدولة، ومن خلالها يمكن العمل على بناء قاعدة شعبية تعمل على اساس القانون وتربي مجتمعا اخلاقيا يمكن من خلاله السير نحو التحضر والتطور ومواكبة الامم المتقدمة، بالاضافة الى التوعية على اهمية التصدي للجهال والرعاع الذين يحاولون الحصول على مكاسب ادارية بهدف تحقيق الثراء الذاتي والتسلط على رقاب الناس، وتأكيده على اهمية توعية المجتمع على نقل فكرة الوعظ وقبول منهجية النقد لأنه يعمل على صيانة المجتمع من الانحراف والفساد الاداري الهادم للحقوق، والعمل الجاد على نشر العلوم النافعة التي تكون اساس تطور الحياة والمحافظة على ابنائها.
يقول الامام(عليه السلام) في هذا الخصوص: ((يجب على الوالي ان يتعهد اموره ويتعهد اعوانه حتى لا يخفى عليه احسان محسن ولا اساءة مسيء، ثم لا يترك واحدا منهما بغير جزاء، فإن ترك ذلك تهاون المحسن واجترأ المسيء وفسد الامر وضاع العمل)).

الرفاه وقضاء الحوائج
ومن مقومات نجاح الحاكم في ادارة البلاد وقضاء حوائج العباد الاهتمام الكبير بمصالح شعبه وتحقيق رغباتهم وتطلعاتهم والعمل على بناء وضع اقتصادي رصين يعمل على استقرارهم النفسي والعقلي والتمييز بين الصالح من المجتمع المخلص في خدمة أبنائه والمنافق المتربص بالأمة.. الحالم بالمنفعة الذاتية، وان يكون الحاكم عالما بقدرة العاملين تحت امرته لكي يتسنى له توزيع المهام بحسب الامكانيات العلمية والاتجاه نحو التخصص في التكليف لكي يضمن نجاحها وصولا الى التطبيق الميداني خدمة للعامة.
وهو الهدف الاسمى الذي يجب على كل حاكم منصف ان يسعى اليه، ويؤكد الامام امير المؤمنين (عليه السلام) على هذا الموضوع قائلا: ((ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فان في ذلك تزهيدا لأهل الاحسان في الاحسان، وتدريبا لأهل الاساءة على الاساءة، والزم كلا منهم ما الزم نفسه، واعلم انه ليس شيء بادعى الى حسن ظن راع برعيته من احسانه اليهم وتخفيفه المؤونات عليهم، وترك استكراهه اياهم على ما ليس له قبلهم، فليكن منك في ذلك امر يجمع لك به حسن الظن برغبتك، فان حسن الظن يقطع عنك نصبا طويلا..))
أما الاسس الفكرية الثانية للامام علي(عليه السلام) في ادارة الدولة القويمة الصالحة فتعتمد على الكفاءات العامة وحسن الظن بالمجتمع لكي يعتمد كوسيلة للانطلاق نحو مسيرة البناء والتحضر وتحقيق اماني الامم.

الابتعاد عن الانحطاط
واكد الامام امير المؤمنين(عليه السلام) على مبدأ محاربة النفس و تأديبها وجعلها تدور في فلك الزهد والقناعة الذاتية عن كل المغريات المادية لكي يتسنى للحاكم الادارة الناجحة والقدرة على تحقيق الهدف المنشود المتمثل في خدمة العامة بدون عنصرية، وبالمساواة خدمة للجميع بما يلائم روح العصر، ويكون الحاكم حريصا على عدم اثارة الآخرين عليه.
وقد عبر الامام علي(عليه السلام) عن مخاوفه من الانزلاق نحو الملذات التي تتوفر للزعيم في اثناء ادارته، وأكد على نبذ الركون الى النفس الامارة بالسوء ومحاربة الحرص على الدنيا والابتعاد عن الانحطاط باعتباره مانعا للتطور والنهوض في قوله: ((الا وان لكل مأموم اماما يقتدي به، ويستضيء بنور علمه، الا وان امامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه.. فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا اعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من ارضها شبرا.. ولو شئت لاهتديت الطريق الى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز لفعلت، ولكن هيهات ان يغلبني هواي ويقودني جشعي الى تخير الأطعمة…)).

الفصاحة والبلاغة
ان الفصاحة والبلاغة من الصفات التي يجب ان يتميز بها حكام الامم في العصور المختلفة التي تجعلهم قادرين على الادارة والحكم العادل بين الامة ومخاطبة الجميع.
وشخصية الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام) خير انموذج يجب ان يحتذى في عالم البلاغة في القدرة على التعبير عن مشاكل المجتمع ولعل كتاب نهج البلاغة الذي اختاره الشريف الرضي (رحمه الله) من كلام الامام خير دليل على تلك الفصاحة والبلاغة التي يجب على الحاكم المنصف الاخذ بها والسير على نهجها، والاستعانة بعبارته لمحاكاة الافكار والعقول المختلفة، فتلك السمة رغب الامام امير المؤمنين(عليه السلام) ان تتوفر في رمز الزعيم للامة لتمكنه ان يكون عنصرا مؤثرا في المجتمعات الانسانية ويصبح مصلحا مؤثرا، وخطيبا مفوّها قادرا على التأثير في مجتمعه ومخاطبته وإقامة اتصالات واسعة متعددة مع الجميع للسير معهم نحو الهدف.

الرجوع للنهج القويم
اوجدت وصايا امامنا وسيدنا أبي الحسن (عليه السلام) الاسس العلمية التي يمكن من خلالها بناء دستور اداري يبدأ من الاعتماد والتخصص في القيادة ودقة الاختيار في ايجاد العناصر الكفوءة المعتمد عليها لتولي المسؤولية الادارية القادرة على مخاطبة الآخر للقيادة والادارة اتكالا على الخبرة والنزاهة وتربية النفس على الزهد والابتعاد عن ارتكاب المحارم.
وما احوج مجتمعنا الى تلك الصفات التي يكمن فيها الحل لجميع مشاكله وادارته التي غزتها المحسوبيات وعدمت فيها الكفاءات، اذ يكمن الحل بالرجوع الى نهج البلاغة وصاحبه الذي ترك لنا إرثا اداريا سياسيا واجتماعيا متكاملا يمكن اعتماده للوصول الى جادة الصواب والامان وبلوغ سبل التطور والتحضر.

 

نشر في الولاية العدد 82

مقالات ذات صله