العوامل المباشرة في إظهار الدعوة العلوية في طبرستان

_07F7765

د. بهاء الموسوي

كان الخليفة العباسي المستعين ( 248 – 252هـ ) قد كافأ صاحب شرطته محمد بن عبد الله بن طاهر على نجاحه في إخماد ثورة ( أبي الحسين يحيى بن يحيى بن عمر العلوي) سنة 249 هـ  فأقطعه قطائع من أراضي الصوافي بطبرستان تقدر وارداتها بألف ألف درهم سنويا (ابن أسفنديار، تاريخ طبرستان، ج1،75) ومن تلك القطائع قطيعة تقع بالقرب من ثغر طبرستان المجاور لديلمان وجيلان.

وكان بأطراف تلك القطيعة أرض لأهل تلك الناحية، لا تعود ملكيتها لأحد وإنما هي من موات الأرض غير أنها ذات غياض وأشجار وكلأ فكانت مشاعة بين الناس يشتركون في استغلالها والإفادة منها جميعاً فمنها محتطبهم، وفيها ترعى مواشيهم، وتسرح سارحتهم فوجه (محمد بن عبد الله بن طاهر) وكيلا عنه يدعى ( جاب بن هارون النصراني ) لحيازة ما اقتطع هنالك من الارض (ابن مسكويه، أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب ت 421 هــ ،كتاب تجارب الأمم، مطبعة بريل، ليدن، 1869، ج6، ص570،571. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج5، ص316).
استنكر أهل طبرستان هذا العمل العدائي على الديلم – الذين هم في موادعة معهم – فعقدوا العزم مع الديلم على التحالف والتعاون والتآزر على حرب سليمان بن عبد الله الطاهري على بلادهم واتجهوا إلى رجل من العلويين في طبرستان، يقال له (محمد ابن إبراهيم ) وطلبوا منه أن يقبل مبايعتهم له أميراً، ولكنه رفض وقال: «أني أدلكم على رجل منا وهو أقيم» ودلهم على منزل ( الحسن بن زيد ) – ومسكنه بالري – فوجه القوم إلى الري رسالة إلى ( الحسن بن زيد) يدعونه إلى التوجه إلى بلادهم، ليلي حكمهم ويرفع الظلم والجور عنهم – الذي لحق بهم من بني طاهر – فوافق ( الحسن بن زيد ) ولقيت هذه الدعوة ترحيبا ً منه.( ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5، ص317 . عصام الدين عبد الرؤوف الفقي، الدول المستقلة في المشرق الإسلامي ، دار الفكر العربي، القاهرة، 1999، ص61)
توجه الحسن بن زيد الى طبرستان وأجمع أهل طبرستان وبلاد الديلم على مبايعة الإمام الزيدي والالتفاف حوله، وقتال الوالي الطاهري (سليمان بن عبد الله ) فطردوا عماله من بلادهم، وساروا بقيادة إمامهم ( الحسن بن زيد ) في هذه البلاد ودخل أنصاره من أهل هذه النواحي ( آمل) واشتبكوا مع الجند الطاهري هناك وأوقعوا بهم الهزيمة ودخلوا آمل، واجمع الناس على مبايعة (الامام الزيدي) وتقلد حكم البلاد وكان عليه أن يقضي على كل محاولة تعترضه من جانب الجند الطاهري، فسار الى ( سارية )، والتقى مع ( سليمان بن عبد الله ) واشتبك معه في معركة ضارية انتصر فيها على الطاهريين، وفر سليمان وقواته، واستولى الحسن الزيدي على ( سارية ) وبذلك آلت طبرستان كلها الى الامام الزيدي، وأصبح حاكمها وإمامها (المسعودي، مروج الذهب،ج2، ص290. عصام الدين عبد الرؤوف الفقي، الدول المستقلة في المشرق الإسلامي، ص61) .
ولم يكتف الحسن ابن زيد بحكم طبرستان بل عول على الاستيلاء على الري، فأرسل فرقة من جيشه، واستخلف بها رجلاً من أهل بيته، وتمكنت هذه الفرقة من طرد عمال الطاهريين، واستخلف بها رجلا من العلويين يقال له ( محمد بن جعفر ) وبذلك اتسعت الدولة الزيدية الجديدة، وفتحت طبرستان والري (عصام الدين عبد الرؤوف الفقي، الدول المستقلة في المشرق الإسلامي، ص61، ص62).
وفي الوقت الذي كانت فيه الدولة الزيدية الجديدة تزداد قوة بفضل مساندة أهالي طبرستان والديلم للإمام الزيدي، كانت الدولة الطاهرية تسير في طريق التدهور والانحلال وكانت الخلافة العباسية مشغولة عن هذا كله بثورة الزنج في العراق والاهواز، لذلك شغلت عن القضاء على الدولة الزيدية الجديدة.( المصدر نفسه، ص62).
السياسة الداخلية للدولة العلوية خلال مرحلة التأسيس:
إن قيام الدولة العلوية، حادث مهم في تاريخ الإسلام بوجه عام وفي تاريخ طبرستان وبلاد الديلم بوجه خاص، ذلك ان هذه الدولة كانت وليدة ثورة شعبية قامت لمصلحة الفلاحين وإسنادهم (الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص524 مهدي جواد حبيب، الدولة العلوية في طبرستان، ص82، مهدي جواد حبيب، الدولة العلوية في طبرستان، ص82) وكانت تهدف الى القضاء على السلطة الطاهرية وجهازها الاقطاعي وما يتصل به من قيم ومفاهيم. فقد جاء العلويون بأفكار ومبادئ سامية، غيرت أحوال المجتمع الطبرستاني وأثرت فيه تأثيرا ً شاملا ً، فقد قضوا على الحكم الاستبدادي المرتبط بمصالح الارستقراطية، وأقاموا مقامه حكما عادلا ً يرتبط بمصالح الفلاحين والعمال وسائر الطبقات الكادحة، وصارت طبرستان في عهدهم دولة مستقلة عن الطاهريين والعباسيين.( مهدي جواد حبيب، الدولة العلوية في طبرستان ص82)
وتتجلى أهم الأعمال العلوية بـ:
1) عمل العلويون على إشراك أهل البلاد في إدارة شؤون الدولة فكان منهم القادة العسكريون وولاة الأقاليم وغيرهم(المصدر نفسه، ص82).
2) قلعت الثورة النظام الإقطاعي، وجاهدت في تحرير الفلاح من الرق والعبودية، وهذا ما ذكره اسفنديار في كتابه ( تاريخ طبرستان ) إذ قال: « إن العلويين صادروا الأراضي غير الشرعية التي كانت بحوزة الطبقة الارستقراطية وغيروا نظام الضرائب وحققوا العدل بين الناس (ابن أسفنديار، تاريخ طبرستان، ج1، ص27 ) وألغوا امتيازات النبلاء، وبذلك أزالوا النظام الطبقي الذي يعطي الجاه والثروة لجمهرة من الشيوخ ( الكلد خدائية ) ويضع العبء على الطبقات الواطئة وأحلوا محل ذلك نظام المساواة وكان لذلك كله أثره في حالة المجتمع وتحرير أفراده من الرق والعبودية (البيروني، أبو الريحان محمد بن أحمد الخوارزمي، الاثار الباقية عن القرون الخالية، تحقيق،أدواردسخاو،لايزبك، 1923، ص224. مهدي جواد حبيب، الدولة العلوية في طبرستان ، ص82 ).
والدافع الذي حفز الدولة العلوية لاتخاذ هذه الإجراءات هو كثرة العبيد والرقيق في المجتمع الطبرستاني وهذا ناتج عن السياسة العسكرية للدولة الاموية والعباسية في العقود السالفة، إذ وضعت الدولة العباسية المسالح في المواقع المهمة من البلاد وحصنت الثغور المجاورة لبلاد الديلم لصد غاراتهم وكان عمال الخليفة هناك يوجهون حملات عده لتأديبهم وردعهم وكانوا يغنمون عددا ً كبيرا ً من الأسرى (الاصطخري، المسالك والممالك، ص121. مهدي جواد حبيب، الدولة العلوية في طبرستان، ص83 ).
وقد استغل النخاسون ذلك فقاموا بشن الغارات على بلاد الديلم، وأمعنوا في السبي منهم، الى ان قامت الدولة العلوية فسعت في نشر الإسلام وتحقيق مبادئه بين الناس وقاومت الرق و بذلك انتهى عهد الاسترقاق، وأصبح جميع السكان، يتمتعون بحقوق المواطنة، خصوصا في عهد الإمام الناصر للحق ــ وهو الحاكم العلوي الثالث في سلسلة حكام الدولة العلوية (301 – 304 ) ــ الذي نجح في نشر الاسلام بين صفوف الجيل والديلم، الوثنيين والمجوس، وبنى في بلادهم المساجد، وبذلك أنقذهم من العبودية والظلم والاستبداد(المسعودي، مروج الذهب ج 4،ص278،280. الشهيد، الحدائق الوردية، ج2، ص36،37. مهدي جواد حبيب، الدولة العلوية في طبرستان ص83)
4) قامت الدولة العلوية، بتنشيط الحياة الاقتصادية، ونشطت الحركة العلمية والأدبية، وقامت المدارس والمساجد، بنشر الثقافة الإسلامية، فأصبحت طبرستان في ذلك العهد مركز كبيراً من مراكز الثقافة الإسلامية، يشع منه نور العلم والمعرفة، وصارت ( آمل ) كعبة الشعراء والأدباء والعلماء، وهكذا ساهمت طبرستان في تطوير الحياة الفكرية في الإسلام بفضل قيام الدولة العلوية فيها. (مهدي جواد حبيب، الدولة العلوية في طبرستان، ص83).

نشرت في الولاية العدد 85

مقالات ذات صله