خديجة الناجي
ان اهداف الرجال العظماء وآثارهم هي عظمة التاريخ، وتزداد رفعة وسموا حين تنبعث من عمق رسالة سامية، ونحن حين نقف امام الحسين عليه السلام الذي يمثل اعظم رجل في عصره وهو يحمل ميراث النبوة وثقل الرسالة الخاتمة الخالدة مسدداً بالتسديد الالهي في القول والفعل، وامام مسيرته لنبحث عن اهداف واسباب نهضته المقدسة التي فداها بنفسه وبأهل بيته وخيرة اصحابه- لا نجد من السهل ان نحيط علما بكل ذلك، لكننا نبحث بمقدار ادراكنا ووعينا للحدث وفق ما تتحمله عقولنا، فقد احاطت بالامام الحسين عليه السلام عدة من المسؤوليات الدينية والواجبات الاجتماعية وغيرها من الاسباب المحفزة لثورته، فدفعته (عليه السلام) الى التضحية والفداء، ومنها المسؤولية الدينية.
واجبات وحدود تجاه الامة
ان الواجب الديني كان يحتم عليه عليه السلام القيام لمقارعة الحكم الاموي الذي استحل حرمات الله، ونكث عهوده وخالف سنة رسول الله صلى الله عليه واله.
اما من الناحية الاجتماعية فقد كان الامام عليه السلام بحكم مركزه الاجتماعي مسؤولا امام الامة عما منيت به من الظلم والاضطهاد من قبل الامويين، وهو اولى بحمايتها ورد الاعتداء عنها من غيره.
فنهض عليه السلام باعباء هذه المسؤولية الكبرى، وادى رسالته بامانة واخلاص، وضحى عليه السلام بنفسه واهل بيته واصحابه ليعيد عدالة الاسلام وحكم القرآن، ويقيم الحجة لإعلان الجهاد، ومحاربة قوى البغي والالحاد.
بسبب تواتر الرسائل والوفود من اهل الكوفة عليه، ومن الاسباب التي ثار عليه السلام من اجلها ايضا حماية الاسلام من خطر الحكم الاموي الذي جهد على محوه، وقلع جذوره فقد اعلن يزيد الكفر والالحاد بتبني عقيدة هذا القول بترديده إياه في كل مناسبة وموقف خطير كقول عبد الله بن الزبردع:
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
وكشف هذا الشعر عن العقيدة الجاهلية التي كان يدين بها يزيد فهو لم يؤمن بوحي ولا كتاب، ولا جنة ولا نار، ومن ألمع الاسباب التي ثار من اجلها عليه السلام تطهير الخلافة الاسلامية من ارجاس الامويين الذين نزوا عليها بغير حق، فلم تعد الخلافة – في عهدهم كما يريدها الاسلام – وسيلة لتحقيق العدل الاجتماعي بين الناس، والقضاء على جميع اسباب التخلف والفساد في الارض.
وفي عهد معاوية ويزيد لم تملك الامة ارادتها واختيارها، فقد كبلت بقيود ثقيلة سدت في وجهها منافذ النور والوعي، وحيل بينها وبين ارادتها.
بعث روح الأمة
وقد هب الامام عليه السلام الى ساحات الجهاد والفداء، ليغذي ويشحذ همم المسلمين بروح العزة والكرامة فكان مقتله عليه السلام نقطة تحول في تاريخ المسلمين وحياتهم، ومن أبرز الاسباب ايضا التي ثار من اجلها عليه السلام هو ان الحكم الاموي قد جهد على محو ذكر اهل البيت عليهم السلام، واستئصال مآثرهم ومناقبهم، وقد استخدم معاوية في هذا السبيل اخبث الوسائل، وكان عليه السلام يود ان الموت قد وافاه، ولا يسمع سب ابيه عليه السلام على المنابر والمآذن.
الأمر بالعروف والنهي عن المنكر
ومن أوجب الاسباب التي ثار من اجلها عليه السلام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فانهما من مقومات هذا الدين، والامام عليه السلام بالدرجة الاولى مسؤول عنهما.
وقد ادلى عليه السلام بذلك في وصيته لاخيه ابن الحنفية التي اعلن فيها عن اسباب خروجه على يزيد، فقال عليه السلام: (اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر).
ومن اوثق الاسباب التي ثار من اجلها عليه السلام العزة والكرامة فقد اراد الامويون ارغامه على الذل والخنوع، فابى عليه السلام الا ان يعيش عزيزا، وقد اعلن ذلك يوم الطف بقوله عليه السلام: (الا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، فابى الله لنا ذلك ورسوله، ونفوس ابية وانوف حمية من ان نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).
نهضة وانتصار جليّ
وان النهضة الحسينية وان لم تكن قد انتصرت وقتيا بالنظرة العرفية العامة ولكن انتصاراتها كانت معنوية او تمهيدية اذ انها اثارت الضجة في اوساط ذلك المجتمع في عصر الثورة.
فموقف الحسين عليه السلام وثباته يوم الطف هو الذي اثار هذا الوعي الفكري مضافا اليه مواقف شريكته في الجهاد اخته الحوراء زينب عليها السلام في تلك المجالس المكتظة بالناس التي كانت الدعامة القوية التي استندت إليها الثورة في امتدادها وسببت انتشارها فكشفت بتلك المواقف جميع الستارات المدلة من قبل الامويين تمويها على الثورة فكان مما اسفر عنه ذلك:
1.اتخاذ دم الحسين عليه السلام ذريعة للقيام بالثورة الداخلية وخاصة عند العلويين ومنها ثورة الشهيد زيد بن علي عليه السلام.
2.افتضاح الحكام الجائرين وانكشاف واقع النفوس الاموية المطبوعة على الشر مما الب الناس عليهم.
3.بقاء الذكر الحافل لصاحب الثورة في ضربه المثل الاعلى للتضحية في سبيل الحق.
وبذلك تكون الثورة الحسينية قد احيت روح الجهاد واججتها وبقي النبض الثائر في الامة حيا برغم توالي الفشل اللاحق ببعض تلكم الثورات، الا ان الامة الاسلامية اثبتت حيويتها وتخلصت من المسخ الذي كاد يطيح بها وبايدي اسلاف الامويين.
نشرت في الولاية العدد 86