علياء عبد الشهيد
خليفة الله تعالى الى العالمين لا بد ان يكون من صفوة خلق الله تعالى متعلما من لدنه ويكون للعالمين هاديا فهو الواسطة بين السماء والارض، وهكذا حال سفراء الله تعالى الى عباده ، فقلب النبي صلى الله عليه واله وسلم بابان مفتوحان باب مفتوح نحو الملكوت الاعلى وباب نحو عباد الله.
أول المسلمين وأعلم الأولين والآخرين
فرسول الله صلى الله عليه وآله خاتم النبيين والمرسلين وأفضلهم إطلاقا وهذا الامر من الحقائق الإسلامية التي اجمع عليها المسلمون، وهناك عدة أدلة قرآنية في بيان أفضليته (ص) منها قوله تعالى (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) وقوله تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) واول المسلمين مقام مختص بالنبي صلى الله عليه وآله دون سواه، يتبين انه (صلى الله عليه واله وسلم) اول الأنبياء رتبة من حيث الانقياد والطاعة والعبودية لله تعالى فرسول الله (ص) حاصل على أعلى مراتب العبودية والقرب الالهي وهو (ص) اول من اخذ عليه الميثاق كما في قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا).
وهكذا يتبين ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) اعلم الأولين والآخرين ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ) فهو الذي لا ينطق عن الهوى الا بوحي يوحى.. فما حمل من محتوى شامل لما وهبه الله تعالى والخصائص لا يستطيع ان يحملها احد سواه غير الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي علمه ورباه وهيأه لحمل تلك المهام العظمى لان هذه الملكات تتطلب ان تحتوي شخصيته البعدين العملي وهو الصبر وهو اساس جميع الفضائل النفسية والأصل لجميع مكارم الاخلاق والبعد العلمي وهو اليقين وهما من خصائص الإمامة .
الرسول الأعظم الملهم
إن أي باحث أو كاتب مهما آتاه الله تعالى من القدرة على البيان والفصاحة وعمق التفكير سيجد الأمر صعباً بل في غاية الصعوبة أن يدرك أبعاد سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) كما هي، لأن سيرته هي المضمون والمحتوى، قد أمدت الناس بثروة هائلة من القيم العليا والمثل السامية.
إن سيرة رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) إن هي إلا سيرة إنسان اتسع قلبه لآلام الناس ومعاناتهم، ووقف بحزم وثبات بوجه التخلف وقوى الظلام والقوى الغاشمة من أجل المحبة والرحمة من أجل أن تسود العدالة والحرية، ومن أجل فتح أبواب المستقبل المشرق الزاهي والطريق إلى الجنة لخلق الله جميعاً بلا استثناء …
لقد جسد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإسلام بكل أبعاده، في ظروف شتى اجتماعية واقتصادية وسياسية، فأرسى قواعد القيم الإسلامية المثلى في واقع الفكر والعقيدة، وفي أفق الخلق والسلوك، وأصبح (صلى الله عليه وآله) نبراساً على مدى العصور، يشع بالإيمان والطهر والبهاء للعالمين …
إن سيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ألهمت الأدباء والشعراء والباحثين المسلمين وغير المسلمين في مختلف أقطار العالم وأمدتهم بطاقة غنية جداً من الإلهام والإبداع…
فكثيرون ألفوا في سيرة الرسول الأعظم منذ القرن الأول الهجري وليومنا هذا، وممن كتب في ذلك ابن الزبير المتوفى سنة (92)هـ وابان بن عثمان المتوفى مطلع القرن الثاني الهجري، وبعدهما وهب ابن منبه، وقبل نهاية النصف الثاني من القرن الثاني ألف فيها شرحبيل بن سعد، وابن شهاب الزهري، وعاصم بن عمرو بن قتادة، وموسى بن عقبة، وابن اسحاق، وفي أواخر القرن الثاني ألف ابن هشام السيرة المشهورة وقد اتخذ مما كتبه ابن إسحاق أساساً لكل ما كتبه في هذا الموضوع، كما ألف ابن سعد والواقدي وغيرهم …
وروى غير واحد أنه لما دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت فاطمة: أطابت نفوسكم على ان تحثوا على رسول الله التراب، وأخذت من تراب القبر الشريف ووضعته على عينيها، وأنشأت تقول:
ماذا على من شم تربة أحمد ان لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام عدن لياليا
الجهاد:
لم يمر احد من بني البشر بمثل ما مر به رسول الله (صلى الله عليه واله) من محنة وأذى، على الأصعدة كافة، فمن ناحية كان(صلى الله عليه واله) يمر بظروف عصيبة من أذى الكافرين في بداية الدعوة، فما كان يفعله أولئك المشركون من استهانة بحرمة شخصه الكريم امر لا يطاق، وبخاصة مع عظيم منزلته عند الله تعالى، هذا من جانب، ومن جانب اخر كان يرى بأم عينيه اذى المشركين لأصحابه وأتباعه، ممن اسلموا على يديه، وانقادوا لحق هديه، فيغمره الأسى لذلك.
ولكن رسول الله(صلى الله عليه واله) كان برغم ذلك يعفو ويصفح، ويقابل الإساءة بالإحسان، حتى ورد أن ملكا من الملائكة جاءه وقال له: (يا محمد.. أنا الموكل بالجبال أرسلني الله إليك أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت) فقال: (لا إن قومي لا يعلمون)..
وتعرض رسول الله(صلى الله عليه واله) الى اذى ومحنة شديدين بسبب مكر المنافقين والذين في قلوبهم مرض، ممن ادعوا الانتماء لامته، وعانى من فتنتهم ردحا طويلا من الزمن، بل لقد تجرع غصص كيدهم حتى اخر نفس من حياته المباركة.
ثم لا يمكن ان ننسى ما كان رسول الله(صلى الله عليه واله) يعيشه من تأثر واذى وهو يرى صد الناس عن سبيل الحق، وايثارهم البغي والضلال على الهدى والاستقامة، حتى نزل قول الله تعالى اليه: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا).
زيادة على ذلك، جهاده وشدة كدحه في طاعته لله وطلب مرضاته، إذ ورد انه كان يقف للعبادة عشر سنين على أطراف أصابعه، حتى ورمت قدماه واصفر وجهه، ويقوم الليل أجمع، حتى انزل الله عز وجل عليه: (طه* مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) وقد كان يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له: يا رسول الله أليس الله عز وجل قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: (بلى، أفلا أكون عبدا شكورا؟).
الرحيل:
وبعد ان قاسى كل تلك المحن والصعاب لنشر دين الله، واعلاء راية الهدى، اقتربت ساعة الوداع، وتفطرت قلوب المؤمنين حزنا لدنو لحظة الفراق، فاظلمت الدنيا لرحيله، وتنورت الاخرة للقائه، وجاءه ملك الموت مستأذنا ان يقبض روحه المقدسة، فاختار ما اختاره الله تعالى له، ورضي بما اراده عز وجل من لقاء حبيبه، فاجاب مطمئنا راغبا.
روي ان جبريل(عليه السلام) دخل عليه وهو في مرضه الذي توفي فيه، وقال له: (هذا ملك الموت يستأذن عليك، ما استأذن على آدمي قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك) فقال(صلى الله عليه واله): (إئذن له) فأذن له، فسلم عليه ثم قال: (يا محمد، إن الله أرسلني إليك، فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضته، وإن أمرتني أن أتركه تركته) فقال: (أو تفعل يا ملك الموت؟) قال: (نعم، بذلك أمرت، وأمرت أن أطيعك) فنظر النبي إلى جبريل، فقال له جبريل: (يا محمد، إن الله اشتاق إلى لقائك) فقال النبي(صلى الله عليه واله) لملك الموت: (امضِ لما أمرت به) فقبض روحه.
فلما توفي(صلى الله عليه واله) وجاءت التعزية، سمعوا صوتا من ناحية البيت: (السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المصاب من حرم الثواب) فقال الامام علي(عليه السلام): (أتدرون من هذا؟.. هذا الخضر عليه السلام)..
نشرت في الولاية العدد 87