قاعدة الصَّحة في فعل الآخرين

feqeh

مرتضى علي الحلي

إنَّ المراد من قاعدة الصحة أو اصالتها في فعل الآخرين هو حَمل عَمَل الاخرين على الصحَّة لا حمل عمل النفس على الصحّة، والصحّة الفقهيّة هنا تَحتمل معنيين هما:

المعنى الأول:
إنَّ الصحّة المطلوبةَ في الحمل هي في مقابل المَساءة والقبح بمعنى أننا في إعمال هذه القاعدة ينبغي لنا أن نحمل فعل الغير على ما هو حسن عقلا ومُباح شرعا.
فمثلاً إذا شككنا في أنَّ ما صدر من زيد المؤمن أهو معصية أو هو فعل مُباح شرعا؟
فقاعدة الصحّة هنا تقتضي حمل فعل زيد المؤمن على ما هو مُباح شرعا.

أدلة المعنى الأول:
قد دلّتْ على هذه القاعدة الفقهيّة بهذا المعنى العديدُ من الآيات والروايات.
منها:
1. قوله تعالى: ((يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ))(الحجرات:12) وفي هذه الآية الشريفة أمر إرشادي (اجْتَنِبُوا)إلى ضرورة تجنب سوء الظن بالآخرين من المؤمنين إذ ربمّا يكون بعض الظن إثماً لأنّه مُجانب للحقيقة.
2. ما ورد عن المعصومين عليهم السلام (أنَّ المؤمن لا يتهم اخاه المؤمن، وانه إذا اتهم اخاه انماث (ذاب) الإيمان في قلبه كانمياث الملح في الماء).
(انظرالكافي: الكليني: باب التهمة وسوء الظن: حديث1 (إذ إنَّ حمل الأفعال الصادرة من المؤمن على الفساد هو اتهام له وسوء ظن به وهذا أمرٌ منهي عنه فلا بد من الحمل على الصحّة وترتيب الأثار على ذلك.
3. ما ورد عن الأئمة المعصومين (كذّب سمعكَ وبصركَ عن أخيك فإن شهدَ عندكَ خمسون قسامة – أي – مَن يَحلف قسماً: أنه قال: كذا: وقال المؤمن لم أقله فصدّقه وكذّبهم(أصول الكافي:الكليني :ج2:ص362).
ومعنى هذه الرواية هو إرادة الإمام (عليه السلام) حمل قول المؤمن على الصدق ظاهراً ومعنى تكذيب القسامة هو حملهم على الاشتباه أو عدم الاعتناء بقسمهم وعدم ترتيب الأثر عليه سيما إذا كانوا من غير المؤمنين.
أو ربما لم يُنتج قسمهم درجة عالية من الاطمئنان بقولهم فلم يُعتد به، وأما إذا أورث قسمهم الاطمئنان القوي بصدق قولهم فطبيعي أن يُؤخَذ بقولهم، ويُرتبُ عليه الأثر ويُعتبرُ ذاك المؤمنُ فاسقا.
وقاعدة الصحة بهذا المعنى مُختصَّةٌ بعمل المؤمنين فلا تجري في حق غيرهم باعتبار أنّ العمل بالصحة هنا هو من حقوق الأخوة بين المؤمنين ولاتشمل عامة المسلمين .
والثمرة الحياتيّة المُتوخاة من إعمال هذه القاعدة الفقهيّة بمعناها الأخلاقي والقيمي بين المؤمنين هو لأجل الشد والرتق للبنية المُجتمعية وحفظاً للتوازن في التعايش الجمعي ولئلا يختل النظام العام بشرياً، إذ بسوء الظن واتهام المؤمنين تنفتق البنية القوية للجماعة الصالحة وتنخرم الوحدة والاخوة بين المؤمنين.

المعنى الثاني:
هو أنَّ الصحة المقصودة هنا هي في مقابل الفساد والبطلان للعمل بالمعنى الفقهي، فيكون معناها في حال إعمالها هو اعتبار العمل الصادر عن الغير صحيحاً فقهيّا، وهنا تُرتَّبُ آثار الصحة عند نفس العامل بها .
فمثلاً لو شكَّ زيد المُصلي خلف الإمام (إمام الجماعة) في صحة قراءة الإمام أو عدم صحتها، فإنَّ قاعدة الصحة تقتضي بزيد المُصلي أن يحمل قراءة إمام الجماعة على الصحة وبهذا يصح له أن يأتم بهذا الإمام. وهذه القاعدة بهذا المعنى تشمل عمل مُطلق المُسلم، ولا تختص بالمؤمنين.

أدلة المعنى الثاني:
إنّ أبرز ما دلَّ على مشروعيّة هذه القاعدة بهذا المعنى الفقهي هو السلوك العقلائي المُعاصر لعصر النص والصدور الشرعي المُمضى من الشارع الإسلامي نفسه إذ تعاقد العقلاء على أنَّ الأعمال الصادرة عن الغير في ظرف الشك بصحتها مع إحراز علم العامل بضوابط الصحة والفساد فهي بهذا تُحمل على الصحّة .
وقد دلّت السيرة القطعيَّة من جميع المسلمين المتدينين المُتصلة بزمن المعصومين عليهم السلام والتي لم يرد ردع عنها شرعا على أنَّ ترتيب آثار الصحة في فعل الآخرين من المسلمين معمولٌ به
وخصوصا في العبادات والمعاملات والعقود والإيقاعات.
والعمل بقاعدة الصحة بهذا المعنى الثاني يتّسع ويَمتَد إلى أقوال واعتقادات الآخرين
مثلاً لو شككنا في قول زيد أهو مُباح أو مُحرّم؟ وفي مثل هذا الحال يمكن لنا حمل قوله على الصحة إذ قد يكون ما قاله مُباحا شرعا.
أما في مسألة الاعتقاد فمثلا لو تكلّم زيدٌ بكلام وشككنا أهو مُعتقد بما يقول أو هو غير مُعتقد به؟ كأن ذكر كلاماً فيه إنكار للإمامة الحقة للأئمة المعصومين عليهم السلام فهنا يُحملُ كلامه على الجد ويُنسبُ إليه الاعتقاد بما قال وتجري قاعد الصحة في تطابق قوله واعتقاده.

مقالات ذات صله