هشام أموري
مفكر وأديب وشاعر مسيحي الديانة قضى حياته بين القراءة والتأليف ، صاحب قلم منصف محايد قلّ نظيره في العالم العربي ، ألّف العديد من الكتب ونظم القصائد وشارك في المجلات والصحف اللبنانية بمقالاته الهادفة المبدعة فعرف من خلال كتاباته ومؤلفاته عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) التي اشتهر بها على الصعيد العربي والعالمي في موسوعته الشهيرة (الإمام علي صوت العدالة الإنسانية)
نشأته وبداياته الأدبية والإعلامية
ولد الأديب والشاعر اللبناني جورج سجعان جرداق في منطقة شوير عام 1931 ينحدر من عائلة مسيحية عربية أنهى دراسته التكميلية في مدارس جديدة مرجعيون، ثم انتقل إلى بيروت ليلتحق بـ «الكلية البطريركية» عام 1949. منذ ذلك الحين، سكن بيروت دون أن ينفي ذلك حنينه إلى الجذور وتواصله مع الأهل والأصحاب في «الجديدة».
عام 1953، بعد تخرجه من الكلية البطريركية، انتقل جورج جرداق إلى التأليف والكتابة في الصحف اللبنانية والعربية، وإلى تدريس الأدب العربي والفلسفة العربية في عدد من كليات بيروت في الوقت نفسه. استهل عمله الصحافي في مجلة «الحرية»، التي يقول عنها: «كنت أكتبها من الغلاف إلى الغلاف، وكنت أحرر مقالات وأوقعها بأسماء صارت لاحقاً معروفة لدى أصحاب الصحف، حتى إن أحدهم طلب مني أن أعمل عنده، فرفضت».عمل أيضاً في مجلة «الجمهور الجديد» ثم انتقل إلى «دار الصياد» عام 1965، وكتب في مجلة «الشبكة» وفي صحيفة «الأنوار»، وكان من أركان كتّاب المقالة في منشورات «الصياد».
رحلته مع التأليف
بعد أن انهى دراسته الجامعية، بدأ يدرس الأدب العربي والفلسفة العربية، وكانت شخصية الإمام علي (عليه السلام) من أولويات اهتماماته الأدبية والبحثية ، ومن اجل زيادة ثقافته ودراسته تعمق بالبحث عن هذه الشخصية العظيمة، فتيقن ان هذه الشخصية لها قدر كبير ويجب أن يكتب عنها وكانت شخصية أمير المؤمنين (عليه السلام) هي محطة انطلاقه إلى عالم الشهرة فعمد إلى قراءة نهج البلاغة بتفحص وتمعن وبصورة معمقة وبدأ يكتب عن هذا الرمز الذي لا مثيل له وكان كتاب صوت العدالة الإنسانية في العام 1958 الباكورة الأولى من نتاجاته الأدبية عن حياة الإمام علي (عليه السلام).
نتاجه الأدبي
على الرغم من نشر المقالات في الصحف والمجلات أطلق الأديب الراحل موسوعته الشهيرة في حق الإمام علي (عليه السلام) صوت العدالة الإنسانية فصدر منها خمسة مجلدات وهي الإمام علي والثورة الفرنسية و علي وحقوق الإنسان وعلي وسقراط وعلي وعصره وعلي والقومية العربية وعن أصداء هذه الموسوعة الفكرية يستشهد جرداق بقول لميخائيل نعيمة: (يقيني أنّ مؤلف هذا السفر النفيس، بما في قلمه من لباقة، وما في قلبه من حرارة، وما في وجدانه من إنصاف، قد نجح إلى حد بعيد في رسم صورة لابن أبي طالب، لا تستطيع أمامها، إلاّ أن تشهد بأنّها الصورة الحيّة لأعظم رجل عربي بعد النبي).
جاء بعد ذلك كتاب روائع نهج البلاغة، وله مؤلفات قصصية مثل (نجوم الظهر، قصور وأكواخ ، وضفاف باريس، وحديث الملاهي، وحديث الغواني) وكذلك له عدة مسرحيات مثل مسرحية (صلاح الدين وريكاردوس قلب الأسد) التي مثلها نخبة من أشهر الممثلين، وعنده حكايات من ثلاثة مجلدات مثل (المشردون) و(رفيقي) وغيرهما
تعلقه بكتاب نهج البلاغة:
ينقل الأديب الراحل قصة عن نفسه يروي فيها تعلقه بكتاب نهج البلاغة عندما كان ابن الحادية عشرة من عمره وهو في المراحل الدراسية الأولى في وقتها كان مشغوفا بقراءة الشعر للمتنبي وابن الرومي..
فبعد أن علم أخوه الأكبر (فؤاد) الذي كان شاعرا وأديبا أيضاً هواية الأخ الأصغر قال له : سوف أعطيك كتابا تقرأه خيرا لك من هذا الشعر فيه بلاغة وسحر في المعاني وبالفعل أهداه كتاب نهج البلاغة. وينقل الأديب الراحل عن كتاب نهج البلاغة قائلا : كنت أطالعه بشغف كبير وأنا أرى البلاغة والمعاني الجميلة والألفاظ بالرغم من اني لا أعرف الى ماذا يتحدث هذا الكتاب أو ماذا يريد ان يقول هذا الرجل، ولكني علمت ان قائل هذه الكلمات لا بد ان يكون رجلا عظيما فذاً..
وأخذت اتعلق بهذا الكتاب وعند بلوغي المرحلة الجامعية أردت ان اعرف عن هذا الرجل المسلم الكثير، فقرأت كتب التاريخ والسير وقرأت كتب طه حسين والعقاد وغيرهما ولكن بالواقع لم يشفوا غليلي لأني أرى ان شخصية الإمام علي (عليه السلام) هي فوق ما يصفونها لأنه عظيم بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ في ولادته وفي نشأته وفي حياته وفي اخلاصه وفي عبادته وفي حروبه وفي اخلاقه فكل شيء فيه عظمة، لا نعرف عن أي الجوانب نتحدث عندما نذكر هذه الشخصية العظيمة، فدائما العظماء لهم جانب معين يبرزون فيه، ولكن الإمام (عليه السلام) عظيم في كل جوانبه.
إلى الرفيق الأعلى
في يوم الأربعاء الموافق 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 وعن عمر يناهز 83 عاماً غيب الموت نجماً من نجوم الأدب و الفكر والصحافة العربية إلى مثواه الأخير في جديدة مرجعيون تاركاً خلفه إرثاً فكريا وأدبياً يفتخر به كل عربي لأنه وظف قلمه للكتابة الحرة دون أن يزيف أي حقائق تاريخية أصيلة.
نشرت في الولاية العدد 87