أ.م.د. خليل خلف بشير
تمثل مرحلة الشباب الطاقة الحيوية المتحركة في الأمة، كما تمثل الأمل في المستقبل وفي رؤية حركة المستقبل فبمقدار ما يمكن من تحقيق تقدم في بناء الشباب يتحقق تقدم في مستقبل الأمة والجماعة ؛ لأنّ الشباب هم الذين يتحملون مسؤوليات المستقبل ، وسوف يكون لهم دور في رسم المستقبل من هنا يجب عليهم أن يضعوا نصب عيونهم الأهداف المستقبلية سواء ما يمكنهم تحقيقه بصورة كلية أم تفصيلية بحسب طبيعة ظروفهم وحركتهم، وعليهم أيضاً أن يسهموا في عملية التغيير الاجتماعي فيما يتعلق ببناء الجماعة الصالحة بناءً يجعلها قادرة على تحقيق أهدافها في الوصول إلى حقوقها وواجباتها.
توجيه الطاقات الكامنة
في هذه المرحلة – مرحلة الشباب- يشعر الشاب بطاقاته الحيوية، ويريد أن يؤدي دوره في الحياة فكيف ننهض به وبغيره من الشباب لنستفيد من طاقاتهم الكامنة ؟
فمعظم شبابنا يعاني من الفراغ القاتل وعلينا أن نوجهه التوجيه الصحيح لملء فراغه بما يرضي الله، ويحقق مصلحته ومصلحة بلده منطلقين من الحديث النبوي القائل ((اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك))، وقول أبي العتاهية :
إنَّ الفراغ والشباب والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
فسد الفراغ بالصالح، والنافع، والمفيد أمر مهم وضروري للشباب من خلال مجموعة من السبل الكفيلة بالنهوض بهذه الشريحة المهمة، ومن هذه السبل :
(1) الرياضة :
ليست الرياضة مجرد وسيلة من وسائل ملء الفراغ فحسب بل هي وسيلة من وسائل تربية الجسد فإذا أضفنا إلى ذلك الروح الرياضية فإنها قد تكون وسيلة من وسائل تربية الروح في انفتاحها على ساحة الصراع مع الآخر بحيث تقبل الهزيمة بطريقة هادئة، ومن دون أن تضيف إلى الصراع صراعاً نفسياً، والرياضة في واقعها حركة للجسم، وتنشيط للمفاصل، وتفعيل للدورة الدموية، والعيش في ظلها بصحة وسلام، والإسلام دين الفطرة لم يحرم الرياضة فقد أوصى بركوب الخيل، وهو نوع من فن الفروسية، ويشبه حديثاً سباق السيارات والدراجات، والتحليق في الجو، وغير ذلك كما أوصى الإسلام بالرماية، وهي تشبه الفنون الحربية المعترف بها حديثاً كالرمي بالسهام أو بالرصاص، أو رمي الكرة، وكذا أوصى الإسلام بالسباحة؛ لعلاج أكثر الأمراض، وهي رياضة مازالت موجودة في الوقت الحاضر.
إذاً علينا الاهتمام بهذه الهواية الشبابية بإنشاء المراكز، والأندية، والملاعب، وتوفير بقية المستلزمات الرياضية للشباب، ولكن ينبغي ألّا يستغرق الشباب في اللعب طوال أوقاتهم ليصبح اللعب غايتهم الوحيدة في الحياة فتضيع الأهداف الكبرى، والطموحات العليا، والآمال المنشودة على مستويات الواقع العلمي، والسياسي، والثقافي، والاجتماعي فتكون الرياضة هنا وسيلة لإلهائهم، وإبعادهم عن ساحة الهدى، والرشاد، والصلاح كما هو الحال في أمريكا وأوربا كما إنّ كثيراً من حكام العالم الثالث يحاولون عزل الواقع الشبابي عن مواجهة القضايا الكبرى التي يمكن أن يسيء لها هؤلاء الحكام من دون أن ينتبه إليها المجتمع باعتبار استغراقه في اللعب واللهو بشكل يعزله عن كل قضايا الواقع .
(2) الثقافة :
هي الحصن الحصين الذي يحفظ للأفراد، والجماعات، والأمم عقائدها وأخلاقها ومبادئها، ويمدها بالروح المعنوية العالية، ويمسك جميع أطرافها، ويوحدها في مسارها ومواقفها وأهدافها ؛لأنها تُعنى بتفاصيل البناء الاجتماعي، وتمد جميع جوانبه وأبعاده بالتصورات والأطر التي يحتاجها على المستوى السياسي، والاجتماعي،والاقتصادي، والتنظيمي، والأمني، وكذا على مستوى الشكل والمضمون والمحتوى .
من هنا ينبغي الاهتمام بالشباب، وتثقيفهم الثقافة الواعية الصحيحة في المدارس، والجامعات، وتوفير الأجواء المناسبة للدراسة، وإنشاء المكتبات العامة، وإقامة الندوات والمؤتمرات العلمية لمناقشة البحوث والدراسات، وتنويع المؤسسات الثقافية من الحوزات، والمدارس، والمعاهد، والجامعات فضلاً عن المساجد، والحسينيات .ومن خلال هذه المؤسسات الثقافية تنتشر الثقافة والسلوك المتحضر والمدنية التي تمارس فيها انماط السلوك البناءة والمنتجة لنضمن تقدم المجتمع وتفوقه بين الأمم والحضارات الأخرى.
(3)العلم :
إن الشريعة المحمدية حثت على طلب العلم حتى أصبح واجباً شرعياً في مذهب أهل البيت، يتحمل الإنسان مسؤولية الإخلال به، والأحاديث كثيرة في هذا الصدد منها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ((طلب العلم فريضة على كل مسلم، ألا إن الله يحب بغاة العلم ))، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ((من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم )) ، ويبدو من بعض الأحاديث أنّ المشرِّع الإسلامي يؤكد على ضرورة تعلم علم الفقه ؛انطلاقاً من قوله تعالى( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة/122) ؛ لأنّ علم الفقه من أجل العلوم شأنا، وأعظمها شرفا، وأعلاها قدرا، وبه يتعرف المكلّف على أحكامه اليومية . قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (( ومن أجل العلوم شأنا، وأعظمها شرفا، وأعلاها قدرا، هو علم الفقه، فبالفقه يتعرف الإنسان على أحكامه اليومية))، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : ((لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه لأدبته )) على أنّ المجتمع يحتاج المهندس، والمدرس، والمعلم، والطبيب، وغيرهم كما يحتاج الفقيه، و( كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) على ما يقول الله تعالى في كتابه المجيد، و(( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)).
(4) كثرة النوم والعمل :
إنّ كثيراً من الشباب العاطل يعيشون الفراغ فيحاولون ملأه بالنوم لساعات طويلة بيد أنّ أحاديث أهل البيت حذّرت من كثرة النوم إذ يقول الإمام الصادق (عليه السلام) : ((كثرة النوم مذهبة للدين والدنيا))، وعنه (عليه السلام) : ((إن الله عزّ وجل يبغض كثرة النوم وكثرة الفراغ )) فلا بد للشباب أن يبحثوا لهم عن أعمال معاشية أو تعليمية أو يقضوا فراغهم بمطالعة الكتب النافعة . قال الصادق (عليه السلام ) : ((إني أشتهي أن يراني الله عز وجل أعمل بيدي وأطلب الحلال)). إنّ إهمال مجموعة كبيرة من الشباب دون عمل جريمة كبرى ؛لأنّ إهمالهم سيولد في أنفسهم عقداً، وأمراضاً نفسية أو حالات من الإحباط، والانكسار، والنقص، والحقد على المجتمع مما يجعلهم عرضة لارتكاب جرائم بحق أبناء جلدتهم لاسيما أنّ الشاب يكون أكثر من غيره عرضة للانحراف لذا فمن الضروري توفير فرص العمل لهذه الطاقات المعطلة، وتسخيرها للنفع العام، ولسد احتياجاتها بوصف الشاب مواطناً له حقوق، وعليه واجبات حتى يشعر بحقه الشخصي في وطنه فيحبّ أهله، وبلده، وللتغلب على حالات الإحباط والانكسار… التي يتعرض لها الشباب في هذه المرحلة من الحياة، يبذلون جهدهم بالعمل الدؤوب أو كسب العلم والجد استعداداً لظروف الحياة الصعبة، وقد أثنى المشرِّع الإسلامي على الإنسان الكاد على عياله فجعله كالمجاهد في سبيل الله.
نشرت في الولاية العدد 87