حسين العابدي
نلاحظ بشكل يومي وجود عدد من النساء وهن يقدن سياراتهن في الطرق الخارجية والداخلية للمدن في المحافظات كافة ، وقد نتساءل عن تزايد أعدادهن، وتباين أعمارهن وسط رضا الكثيرين وامتعاض آخرين، فيا ترى ما هي تلك الآراء؟ وكيف عبّر عنها المجتمع ؟ وهل هناك موانع اجتماعية ؟ وكيف ينظر المجتمع للمرأة التي تقود السيارة ؟
هذه التساؤلات وغيرها طرحتها مجلة الولاية على فئات عديدة من المجتمع فجاءت الاجوبة متباينة.
إثبات للذات وممارسة لحق
وكانت لنا اول وقفة مع ( زهراء مضر ناصر) لتقول: إن قيادة السيارة تشعرني بأني امثل نصف المجتمع، وأثبت لنفسي بأني امرأة لها دور في تحقيق ما تفتقده مجتمعاتنا من تطور، وتبين بأنها من أشد المصرين على نزول الفتاة إلى الشارع لإثبات هويتها بأنها قادرة على تحقيق ذاتها وسط المجتمع الذي لا يتقبل اموراً كثيرة بالرغم من مشروعيتها، وتضيف من خلال حديثها: توجد بعض المضايقات من قبل بعض افراد المجتمع، والذين يتعرضون للمرأة بالكلام غير اللائق عند مرورها في الشارع وكأنها ترتكب محرماً.
ظاهرة حضارية
صالح محمد(معلم) يرى: أن قيادة المرأة للسيارة تعد ظاهرة حضارية ازدهرت في الآونة الأخيرة، وتحديدا بعد العام 2006، فالسبب الرئيس في اتساع ظاهرة القيادة هو حاجة الزوجة لتلبية متطلباتها ومتطلبات الأسرة وسط كثرة انشغالات الزوج، والسبب الآخر الذي شجع على تنامي هذه الظاهرة وانتشارها هو دخول السيارات الحديثة إلى العراق وعلى وجه الخصوص السيارات (الأوتوماتيك) السهلة القيادة، إضافة إلى اتساع التسهيلات المصرفية للموظفين في اقتناء السيارات بالتقسيط، وطبعا هذا أدى الى انتشار مكاتب التدريب على قيادة السيارة في العراق بصورة كبيرة، وعلى وجه الخصوص المكاتب التي توفر كادراً نسوياً لتلبية هذه الحاجة بشكل خاص.
المواطن (حسين السعبري) يقول للولاية: على الرغم من أن الشارع العراقي غير معتاد على منظر نساء يقدن السيارات في زحمة السير، إلا أن قيادة المرأة للسيارة شيء محترم، فهذه الظاهرة حضارية وتضيف للشارع نمطاً حضارياً وتطوراً فكرياً، ويبين بأن السيارة لم تصنع ليقودها الرجل فقط، بل صنعت لتلبية متطلبات كلا الجنسين، وتظهر تطور المجتمع وإيجابيته في نظرته للمرأة وحاجات المجتمع المتنامية .
صراع عائلي
المبادئ التي تخالف المألوف جعلتني اتراجع، وهذا ما تحدثت عنه (سوسن طالب): ففي بداية تعلمي للقيادة كنت متحمسة، وهذا الإصرار دفعني إلى مخالفة إخوتي ومجابهة جميع الحجج والضغوط التي تلقيتها من قبلهم، مبررين أن الفتاة في مجتمعنا تتعرض إلى الكثير من المضايقات في الشارع أو انها غير قادرة على مواجهة ما يمكن ان يحدث فيه بشكل مباشر لطبيعتها الأنثوية، ولم أكن أقتنع بهذه الحجج إلا بعد نزولي للشارع والاحتكاك بالناس، فآمنت بصحة رأي إخوتي، وأنا الآن لا أحبذ نزولي إلى الشارع لأن مجتمعنا غير قابل للتطور .
المرأة لم تخلق لقيادة السيارات، هذا ما يؤكده (سالم جاسم) في حديثه للولاية: إن فكرة قيادة المرأة وسط شوارع مزدحمة بالسيارات لا أؤيدها بأي شكل من الأشكال، لأنها تعرض المرأة لأشياء لاتناسبها كامرأة.
القيادة حاجة يفرضها المجتمع
ويضيف ( مرتضى الجابري ): أن القيادة لا تدل على الثقافة، وإنما هي الحاجة التي يفرضها المجتمع، فيجب أن تكون للمرأة شخصية مستقلة تغنيها عن حاجة الرجل في تلبية احتياجاتها، وفضل مرتضى أن يكون تعلم المرأة على يد كادر نسوي متخصص بالقيادة لتلافي نظرات المجتمع وتدارك التهم الملقاة عليها.
قيادة المرأة للسيارة تدل على بروز شخصيتها، هذا ما أكده مدرب القيادة ( زيد احمد الجمالي) العامل في أحد مكاتب تعليم السياقة، وان أغلب النساء جاءت من كامل رغبتها لتعلم قيادة السيارة، فبعض النساء لم يتخذن تعلم القيادة لمواكبة العصر بل اتخذنها كنوع من انواع مساعدة الرجل ولو في حمل جزء قليل من مصاعب الحياة التي أخذت تتفاقم بشكل متصاعد وسريع.
ويبين المدرب الجمالي أن الجهات المسؤولة في المحافظة تعمل على مساعدة النساء من قبل مديرية المرور وايضا من قبل محطات تزويد الوقود، فهي تعمل على مساعدة النساء ممن يقدن السيارات وتسهل عملية حصولها على (البانزين) بكل الاوقات. وحول مسألة التحرش بالسيدات اللواتي يقدن عجلاتهن في الطرقات بيّن المدرب (ابو محمد) أن التحرشات من قبل الشارع لا تتحدد من قبل المارة فقط، بل من سائقي السيارات أيضاً، وبعض التعليقات تقشعر لها الأبدان وتحز في نفس المرأة لأنها مرفوضة حتما من كل ذي خلق ودين، إلا أن تلك التعليقات لن تقف عائقا في طريق هذه الظاهرة الإيجابية، فنحن كمدربين تعودنا عليها ونستطيع شرحها وايصالها بشكل غير مباشر لمتدرباتنا لتجاوزها وتجاهلها، ولكن من الممكن أن تؤثر على المتدربة وتخلق لديها ردة فعل في القيادة أحيانا.
انضباط بالقوانين المرورية اكثر من الرجل
يقول احد رجال المرور ان اغلب حوادث الاصطدام تكون غالبا من الرجال لكن النساء تجربتهن بالقيادة حديثة فهن يحاولن ان يسرن ببطء شديد في الشارع مما يقلل من احتمالية وقوع حوادث سير لهن ، وهي ان وقعت فهي حالات نادرة يكون السبب فيها النساء غالبا، الأن هذه المرأة إما أن تكون غير مدربة جيداً أو غير حاصلة على إجازة سوق من قبل مديرية المرور، فتكون بذلك حديثة عهد بالسياقة وغير مجتازة لاختبار القيادة، مبينا أن المرأة تخضع إلى نفس المعايير التي يخضع لها الرجل عند أخذ الإجازة ، ولكن يتم التساهل معها بشكل طبيعي وليس مبالغاً فيه.
رأي المشرع الاسلامي في القضية
وعن رأي الشريعة في هذه الممارسة، قال مختصون: ان على المرأة ان تلتزم بحجابها وان تتقيد بكل الضوابط الشرعية في هذا المجال، فحلية امر ما لا يعني ان تنخرط فيه متناسية ضوابط الشريعة المقدسة، عليها ان تلتزم بكل مايحفظ عفتها وحجابها.
وبكلمة اخرى فان قيادة المرأة للمركبة تخضع للضوابط العامة للاحكام الشرعية، إذ ان قيادة المرأة للسيارة بنفسه جائز مع مراعاة حدود الحجاب الشرعي واذا لم تخف على نفسها من الوقوع في الحرام.
واخيرا
ونحن من خلال هذا الاستطلاع نجد ان تعاظم الحاجات الإنسانية وتطور المدنية يضع استحقاقات على المجتمع والفرد يكفلها القانون والعرف في إطار الشرع المقدس الذي لا مناص ولا حياد عنه، ومن خلال آراء الكثيرين نجد ان الحماس والتوق للتطور الملبي للحاجات يأتي أولا من الشرائح المثقفة الواعية، والناس كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «أعداء ما جهلوا»، فمن الطبيعي أن تعارض الناس وتتهكم بكل جديد، ولا سيما انه يلامس منطقة حساسة، ألا وهي المرأة في المجتمع، ذلك الركن الحصين من أن يمسسه سوء، أما التجاوزات والتحرشات فهي تضعنا أمام تساؤل آخر، هل تسلم الراجلة من هذا الأذى، التحرش والكلام البذيء، والإجابة حتما: كلا، إذ تتعرض المرأة في كل العالم لهذا، وفي كل مكان، ولربما كانت تتعرض الراجلة للأذى والتحرش بشكل أكبر وأخطر، لطبيعة إطار الحماية التي تفرضها العجلة بالنسبة لمستخدميها، فالقضية إذاً تتعلق بالمجتمع لا بظاهرة قيادة المرأة للعجلة، وهي ظاهرة تضع التحضر والمجتمع المدني والقوانين المشرعة في مجتمع ما على محك النقد.
نشرت في الولاية العدد 87