أطباء عرب.. علي بن رضوان المصري

الزهراوي

حمود حسين

علي بنُ رضوان: طبيب بارع، ومُمارِس ماهر، ومؤلِّف غزير الإنتاج، ترك آثاراً طبِّية كثيرة، فقد شارفت مؤلَّفاتُه على المئة بين كتابٍ ورسالة ومقالة وشرح. و كانَ كثيرَ الردِّ على من كان يُعاصِره من الأطبَّاء وغيرهم.
ولد في أواخر القرن الرابع الهجري في منطقة الجيزة قرب القاهرة من أب فقير يشتغل فرّاناً، ولقد توفي والده وهو صغير تاركاً ولده الذي غادر إلى القاهرة في سنّ مبكرة لتعلم شيء من علم النجوم استطاع التكسب به ليتابع تحصيله في علوم الطب.

يقول ابن رضوان عن نفسه: «فلما بلغت السنة السادسة أسلمت نفسي الى التعليم، ولما بلغت السنة العاشرة انتقلت إلى المدينة العظمى وأجهدت نفسي في التعليم، ولما أقمت أربع عشرة سنة أخذت في تعلم الطب والفلسفة، ولم يكن لي مال أنفق منه فلذلك عرض لي في التعلم صعوبة ومشقة فكنت مرة اتكسب بصناعة القضايا بالنجوم، ومرة بصناعة الطب، ومرة بالتعليم، ولم أزل كذلك وأنا في غاية الاجتهاد في التعليم إلى السنة الثانية والثلاثين، حتى اشتهرت فيها بالطب وكفاني ماكنت اكسبه بالطب».

من حياته:
عاش ابن رضوان في ظل الدول الفاطمية في مصر وتعاقب خلال فترة حياته عدة خلفاء، فكان ابن رضوان مجاهداً يشق طريقه بصعوبة متغلباً على ظروف فقره ويتمه المبكر مواصلاً دراسته بنفسه دون تلقيه عن استاذ حتى وصل إلى درجة عالية من الشهرة، وأصبح كبير أطباء الحاكم، وعندها طاب عيشه وكفاه مايكسبه بالطب فترك التنجيم والعمل به واشتغل فضلا عن التطبيب بالتأليف وشرح مؤلفات من سبقه كجالينوس وارسطوطاليس وأبقراط وغيرهم ويقول ابن رضوان: «وكنت منذ السنة الثانية والثلاثين إلى يومي هذا أتصرف في كل يوم في صناعتي بمقدار ما يغني، ومن الرياضة التي تحفظ البدن، وأغتذي بعد الاستراحة من الرياضة غذاء أقصد به حفظ الصحة، وأجتهد في حال تصرفي بالتواضع وغياث الملهوف، وكشف كربة المكروب، واسعاف المحتاج وأجعل قصدي في كل ذلك الالتذاذ بالأفعال والانفعالات الجميلة، ولابد أن يحصل مع ذلك، كسب ماينفق فأنفق منه على صحة بدني، وعمارة منزلي نفقة لا تبلغ التبذير، ولا تنحط إلى التقتير وتلزم الحال الوسطى بقدر ما يوجبه التعقل في كل وقت وأتفقد آلات منزلي فما يحتاج إلى اصلاحٍ أصلحته، ومايحتاج إلى بدل بدلته، وأعد في منزلي مايحتاج إليه من الطعام والشراب والعسل والزيت والحطب، ومايحتاج إليه من الثياب فما فضل بعد ذلك كله صرفته في وجوه الجميل والمنافع مثل اعطاء الأهل والاخوان والجيران»

من آرائه الطبية:
وَضَع عليُّ بن رضوان قواعدَ يجب أن تتوفَّر في الطبيب، وهي كما جاء في كتبه، نقلاً عن ابن أبي أُصيبعة: «الطَّبيبُ ـ على رأي أبقراط ـ هو الذي اجتمعت فيه سبعُ خِصال:
– الأولى أن يكونَ تامَّ الخَلق، صحيحَ الأعضاء، حسنَ الذكاء، جيِّد الرويَّة، عاقلاً، ذَكوراً، خيِّر الطبع.
– والثَّانية أن يكونَ حسنَ الملبس، طيِّبَ الرائحة، نظيفَ البدن والثوب.
– والثَّالثة أن يكونَ كَتوماً لأسرار المرضى، لا يبوح بشيءٍ من أمراضهم.
– والرَّابعة أن تكونَ رغبتُه في إبراء المرضى أكثرَ من رغبته فيما يلتمسه من الأجرة، ورغبته في علاج الفقراء أكثرَ من رغبته في علاج الأغنياء.
– والخامِسة أن يَكونَ حَريصاً على التَّعليم والمبالغة في منافع الناس.
– والسَّادسة أن يكونَ سليمَ القلب، عفيفَ النظر، صادِقَ اللَّهجة، لا يخطر بباله شيءٌ من أمور النساء والأموال التي شاهدها في منازل الأعلاء، فضلاً عن أن يتعرَّضَ إلى شيء منها.
– والسَّابعة أن يكونَ مأموناً ثقةً على الأرواح والأموال، لا يصف دواء قتَّالاً ولا يعلمه، ولا دواء يُسقِط الأجنَّة، يُعالِج عَدوَّه بنيَّة صادقة كما يُعالِج حبيبَه.
ويُميِّز ما بين المعلِّم أو الأستاذ في الطبِّ والمتعلِّم، فيقول: «المعلِّم لصناعة الطبِّ هو الذي اجتمعت فيه الخصالُ بعد استكماله صناعةَ الطبِّ، والمتعلِّم هو الذي فراسته تدلُّ على أنَّه ذو طبع خيِّر، ونفس ذكيَّة، وأن يكون حريصاً على التعليم، ذكياً، ذَكوراً لما قد تعلَّمه).
ويَلفتُ عليُّ بن رضوان النَّظر إلى أهمِّية الفحص السَّريري أو الإكلينيكي للمريض، ويفصِّل في ذلك تَفصيلاً واضِحاً..

مؤلفاته:
لعلي بن رضوان من الكتب ما يقرب من مئة كتاب ومنها: شرح كتاب الفرق لجالينوس، شرح كتاب الصناعة الصغيرة لجالينوس، وشرح كتاب النبض الصغير لجالينوس، وشرح كتاب جالينوس إلى اغلوقن في التأني لشفاء الأمراض، وشرح كتاب الاسطقسات لجالينوس، وكتاب الأصول في الطب، وكتاب تتبع مسائل حنين، وكتاب النافع في كيفية تعليم الطب، وتعاليق طبية، وتفسير مقالة الحكيم فيثاغورس في الفضيلة، وكتاب الانتصار لارسطوطاليس، وهو كتاب التوسط بينه وبين خصومه المناقضين له في السماع الطبي، وتفسير ناموس الطب لأبقراط، وكتاب في عمل الأشربة والمعاجين، وكتاب في حل شكوك الرازي على كتب جالينوس، رسالة في علاج الجذام. ورسالة في أجوبة مسائل سأل عنها الشيخ أبو الطيب أزهر بن النعمان في الأورام، ورسالة في صبي أصابه المرض المسمى بداء الفيل وداء الأسد، ورسالة إلى أطباء مصر والقاهرة في خبر ابن بطلان، ورسالة في ازمنة الأمراض، رسالة في التطرق بالطب إلى السعادة، ومقالة في شرف الطب، ورسالة في دفع مضار الحلوى بالمحرور..

وفاته
اختلفت الآراء في وفاة ابن رضوان فبينما يقول القفطي أن وفاته كانت سنة 460 هـ، يقول ابن أبي اصيبعة: «وكانت وفاة علي بن رضوان، رحمه الله، في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة بمصر وذلك في خلافة المستنصر بالله أبي تميم معد بن الظاهر لاعزاز دين الله الحاكم».

نشرت في الولاية العدد 88

مقالات ذات صله