همهمات.. متذمر

1122

حيدر رزاق شمران

بينما كان في متجره ينجز أمرا كنت قد طلبته منه.. لاحظت على وجهه شيئا من التجهم والانقباض.. بادرته بالسؤال قائلاً.. أراك اليوم على غير عادتك خيرا إن شاء الله؟.. فأجابني وعلامات التذمر لم تزل بارزة على قسمات وجهه: كلا.. لا شيء.. بل قل لا جديد.. نفس ذلك الروتين القاتل ونفس تلك الدائرة المفرغة.. قالها وناولني ما طلبته منه بيدين متشنجتين.. فنظرت اليه نظرة ذات مغزى بينما كنت أسترسل في الحديث معه.. ما قصدك من ذلك؟.. فألقى نظره الى الخارج منزعجا وأخذ ينفتح معي بالحديث.. لقد سئمت طريقة العيش التي طوقت بها نفسي، فأنا أرزح تحت ثقل أعباء زوجة وأطفال يريدون مني ان أوفر لهم كل شيء.. لقد أصبحت كالآلة التي تشتغل صباحا ومساءً دون توقف كي أوفر ما يتطلبه البيت وتحتاجه عائلتي.. حتى بلغت حد الإرهاق والإعياء.. فلو سألت نفسي ما ثمن هذه التضحيات كلها؟.. أتاني الرد بلا شيء يذكر!!.. أضرب لك مثالاً واحدا: بالأمس حينما أقفلت المتجر وتوجهت الى البيت تعبا.. ما إن وضعت قدمي على عتبة البيت حتى أخبرتني زوجتي بأن أحد الأطفال مريض وبحاجة ماسة إلى الذهاب للمستشفى، فأخذته ومضيت به الى هناك، وبعد اللتيا والتي رجعت به الى البيت فأخبرتني ثانية بأن (قنينة الغاز) قد نفدت وعليَّ ان أملأها من الخارج.. وهكذا حتى عدت الى البيت وألقيت نفسي على السرير متهالكا.. وبعد برهة قصيرة فإذا بي أجد نفسي في المتجر بعد يوم مضى منتظرا أحداث يوم جديد ومسؤولية جديدة قد طوقت بها عنقي..
وحين أتم حديثه بادرته قائلاً.. حسنا.. لكنك ترى الأشياء من منطلق سلبي وتحاول ان تخفي ايجابياتها.. فسألني: كيف ذلك؟ فتابعت حديثي: إن هذه المسؤولية تجاه بيتك وعائلتك هي بحد ذاتها نعمة أنعم الله عليك بها إذ حباك بزوجة صالحة واطفال طيبين لتكمل رسالتك التي منَّ الله عليك بها في حياتك.. وهذا الجهد الذي تدّعي انه بلا ثمن فإنه يعد هو الربح الثمين الذي عليك أن تسعى لتناله لأنه يصب في طاعة الله.. وفيه الثواب الجزيل والثناء الجميل، وهذا ما دلت عليه روايات كثيرة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما دينار أفضل من دينار ينفقه الرجل على عياله)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (الكادّ على عياله من حلال كالمجاهد في سبيل الله).. فعليك ان تحمد الله يا أخي على هذه النعمة التي أتحفك الله بها لا أن تتذمر منها!
وحين فرغت من حديثي معه بدأت أراقبه بينما كان منشغلا في إغلاق متجره.. وحين سألته.. ما الذي دعاك الى ان تغلق متجرك في وقت مبكر؟ فأجابني بابتسامة وهو يضع يده على كتفي يدعوني الى الخروج.. سآخذ عائلتي في نزهة قصيرة.

نشرت في الولاية العدد 89

مقالات ذات صله