فائق الشمري
عندما اختط اول حرف على وجه هذه البسيطة جاء ليوثق انفعالاً ما ويقيد حالة من السلوك الانساني لمجموعة من البشر..
كان ذلك قبل بضع آلاف من السنين.. وجد بعض منهم حاجة ماسة للتعبير عن مفردات الحياة وتفاصيلها، بغثها وسمينها، اسودها وابيضها.. فرسم هيأة لحيوان ورسم صورا لرعاة وصيادين، أسوداً وفهوداً، غضب الطبيعة.. ووثق في مدة اخرى غزواته وانتصاراته وربما انكساره ايضا في حروب خاضها هو وابناء جلدته..
كان الحرف الوسيلة والاداة للتعبير.
امتدت تلك المحاولات الخجولة والمتواضعة برسم الحرف فجاء بعضه مسماريا وآخر صوريا ومن ثم اشكالاً مختلفة وضعوها واتفقوا على جعلها اصطلاحا لمفردات معينة من حياتهم، فتنوعت اللغات واختلفت الألسن وتطور التفكير واتسع نطاق التعبير فكان الشعر سجلّ العرب الخالد ولسان حالهم، فعلقت المعلّقات على أستار الكعبة لتعطي قصب السبق لكل مبدع فتكرمه بأن تجعل عمله على حروف توضع على جدران أكرم بيت على وجه الارض..
وجاء الإسلام بتلك الثورة الفكرية الجبارة ليفعّل حركة الحرف ويطوّرها ويتقدم بها نحو واقع أكثر رقيا وتطورا.. (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) (اقرأ)… (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) فاكد حقيقة كبرى مفادها أن العلم من دون الحرف لا قيمة له ولا جدوى بسبب تعرض هذه المادة الفكرية للضياع من دون أن تقيدها الحروف وتودعها طيات الصحف.. فتبارى من تبارى وجد واجتهد آخرون للوصول إلى حالة عالية من الرقي في رسم الحرف العربي لكونه يحمل اأمانة هي من الثقل لو انها أنزلت على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله..
الحرف عمل جاهدا منذ فجر التاريخ على توثيق وصيانة تاريخ جمّ وعطاء فكري ثرٍ من خلال ما تخلله من كيان وهيأة، وكان القرآن الكريم ذلك الكتاب المعجزة كأنه يحاول من خلال الحروف المقطعة في بداية سوره أن يذكر بحقيقة وكبر مكانة هذه الحروف في حفظ هذا المعجز هذا الكتاب المتفرد الذي هو من عند مليك مقتدر، وان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ينطق بالحق من خلال كلمات وجمل تؤلفها مجموعة من الحروف المتضافرة في تشكيلها، لذا أرى ونحن أمة لغة الضاد أن نفعّل الاهتمام بالحرف العربي كنوع من الوفاء من خلال الاهتمام باللغة الفصحى عن طريق إقامة المسابقات الشعرية والأدبية وتفعيل الندوات التي تتناول هذا المجال بالدرس والبحث والتحقيق فضلا عن تفعيل دور معارض الخط العربي بانواعه وفنونه وفاءا.. وكنوع من ردّ الجميل.
نشرت في الولاية العدد 91