وقفة مع التاريخ القرآني والسنن القرآنية

في-رحاب-القرآن

الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

إن المراد بـ(التاريخ القرآني) هنا هو التفسير الديني لنشأة الإنسان الأول أو التعرف على (أصل الخليقة )، وكيف ان الله سبحانه و تعالى خلقها، وهذا موجود في الكتب السماوية التي بلغها أنبياء الله ورسله عليهم السلام الى بني آدم ممن ميزهم الله سبحانه وتعالى بحسن الخلقة.
لذا فلابد أن نعلم ان الحقيقة الأولى المهمة هي ان الخالق هو الله سبحانه وتعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ){النحل/3}.

فقد خلق الله سبحانه وتعالى الكون بكل ما فيه من مجرات، ونجوم، وكواكب، ومن تلك الكواكب الأرض، فقد خلقها وخلق السماء ثم خلق كائنات عديدة تعيش على الأرض منها الإنسان، وقد بين الله سبحانه وتعالى عظمته في أكثر من آية مقرونة مع خلق الإنسان، وذلك دليل على ان الإنسان هو أفضل المخلوقات.
قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(المؤمنون/12 ـ14).
وقال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق/1 ـ5).
وقد كان الخطاب الإلهي للملائكة عن ماهية وحقيقة هذا الخلق الجديد المسمى بـ(الإنسان) و(الخليفة) و (البشر) و (آدم).
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)(البقرة/30).
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ)(الحجر/28).
(أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا)(مريم/67).
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ)(الأعراف/11).
وكان خلقه للإنسان ليكون خليفة في الأرض، ووارثا من قبله تعالى.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْض)(فاطر/39).
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(الأنبياء/105).
ومن شروط هذه الخلافة والوراثة ان يعلمه الله سبحانه وتعالى كل شيء:
(وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)(البقرة/32 ـ 33).
وان يسخر له الله سبحانه وتعالى باقي المخلوقات، بل أن يسخر له كل ما في الأرض لخدمته. (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)(إبراهيم/32 ـ33) (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة/29).
ثم ان الله تبارك كرم هذا الكائن بأنواع متعددة من الكرامات. (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)(الإسراء/70).
ثم بين له الطريق وان له شعبتين (خير) و(شر) (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)(البلد/10) (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (الإنسان/3).
لكن أكثر الناس اختاروا طريق الشر، الطريق البعيد عن الله سبحانه وتعالى. (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا)(الإسراء/89). (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)(يوسف/103). (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)(المؤمنون/70).
أما السنن القرآنية فهي: قضية التكرار المربوطة بالتجربة والدائرة مدار الوجود الإنساني.
إن (الساحة التاريخية كأي ساحة اخرى زاخرة بمجموعة من الظواهر، وقد يخيل الى بعض الأشخاص اننا لا ينبغي ان نترقب من القرآن الكريم ان يتحدث عن سنن التاريخ، لأن البحث في سنن التاريخ بحث علمي، والقرآن الكريم لم ينزل كتاب اكتشاف بل كتاب هداية، القرآن لم يطرح نفسه بديلا عن قدرة الإنسان الخلاقة، عن مواهبه وقابلياته في مقام الكدح، وإنما طرح نفسه طاقة روحية موجهة للإنسان، مفجرة طاقاته، محركة له في المسار الصحيح، ماذا قال القرآن؟ قال: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)، قال: بأن هذه القضية في الحقيقة ترتبط بسنن التاريخ، من هنا يظهر بأن البحث في سنن التاريخ مرتبط ارتباطا شديدا بكتاب الله بوصفه كتاب هدى، في حدود هذه المهمة يعطي مقولاته على الساحة التاريخية، ويشرح سنن التاريخ بالقدر الذي يلقي ضوءً على عملية التغيير التي مارسها النبي صلى الله عليه واله بقدر ما يكون موجها وهاديا.. اذن هنالك ألسنة متعددة درجت عليها الآيات القرآنية في مقام توضيح هذه الحقيقة وبلورتها)(المدرسة القرآنية، السيد محمد باقر الصدر: 47 ـ 54).

نشرت في الولاية العدد 93

مقالات ذات صله