مفاتيح هوليود.. ولعبة خلط السم بالعسل

spider_man

طالب شبر

لماذا عندما أقرأ كتابا أو شعرا لا أحفظه بسهولة، ولكن عندما أشاهد فلما أجده ينطبع في ذاكرتي بسهولة، أعتقد أن الاشخاص المنتجين لهذه الافلام محترفون للغاية بحيث يستطيعون كتابة الفلم واخراجه بطريقة مؤثرة في عقول الناس بشكل لا يصدق.. هذا دفعني إلى أن أبحث عن خيوط توصلني الى حقيقة مهمة هي أن الشركات السينمائية المنتجة للأفلام بخاصة في هوليود تسعى لتعليمنا أشياء كثيرة فضلا عن عنصر التسلية والاثارة..

أوصلني هذا البحث إلى اكتشاف طريقة عمل الدماغ البشري باستلام المعلومات وحفظها فوجدتها على نوعين:

الطريقة الأولى: تمرّ الافكار مباشرة من الحواس الخمسة باتجاه الذاكرة دون ان يتعب الانسان نفسه في تحليل هذه الافكار وفرزها ليمنع السيء من الوصول الى خزينه الفكري ويسمح بالاحتفاظ بالأفكار الصالحة فقط وهذه الطريقة خطيرة للغاية إذ إن الدماغ سيكون محلا لتراكم المعلومات المتناقضة وسوف يتأثر بعد ذلك بتلك المعلومات السيئة لأن العقل الباطن سوف يتفاعل مع تلك الافكار ويعكسها على السلوك.

الطريقة الثانية: تمرّ المعلومات التي تتلقاها حواس الانسان الى الذاكرة بعد ان يفكر فيها ويحللها ليميز الصحيح من الخطأ منها حتى يتناسى الأفكار الخاطئة ويخزن الأفكار السليمة في ذاكرته للاستفادة منها.
الامر شبيه باستخدامك لناقل المعلومات (فلاش رام) في حاسبتك الشخصية فمرة تعمل على نقل المعلومات من والى الحاسوب مباشرة ومرة تعمل على فحص هذا الفلاش رام بواسطة برنامج مضاد الفايروسات قبل استخدامه لكي تحمي حاسوبك من انتقال الفايروسات المعلوماتية الضارة اليه.
وتلقي المعلومات الموجودة في الافلام السينمائية يمرّ بإحدى هاتين الطريقتين حتما، ولكن الأمر المؤسف أن الكثير من المشاهدين اصبحوا يستقبلون الأفلام بالطريقة الأولى فقط لأنهم يعتقدون أن هذه الأفلام معدة للتسلية فقط لذلك فهم لا يتعبون أنفسهم في تحليل الافكار التي تحملها اعود واقول بثقة اننا اذا حققنا في هذه الافلام وحللنا افكارها العميقة فسوف نجد ان للغالبية العظمى منها رموز فكرية خفية وخطيرة تحاول ان تصل الى عقولنا دون ان نشعر.
وسأحاول هنا ان اضع بين يدي القارئ الكريم مفاتيح مهمة تفتح مجموعة من الاسرار الفكرية التي تحاول هوليود ايصالها الى عقول المشاهدين بشكل غير محسوس وبهذه الطريقة لن ندع هذه الافكار تمر الى مخزوننا الفكري دون ان نعرف ما فيها من مخاطر ثقافية كبيرة.
المفتاح الاول: التعبير عن المشاكل الاجتماعية: يعد هذا المفتاح اسلوبا من اساليب التعبير ذات الهدف الجيد اذ يحاول كاتب الفلم ان يعبر عن واقع المجتمع باسلوب الخيال واحد الامثلة الجدية على هذا المفتاح هو فلم (بداية معركة الدم) وهو من الافلام الخاصة بسلسلة مصاصي الدماء واسلوبه يوحي بافكار اجتماعية مهمة منها: ان العيش في الظلام وان كان مترفا هو في الواقع سجن لأصحابه وهم ليسوا هانئين في معيشتهم فيه بل هم اموات في الحقيقة وان الفلم يطرح خبث الشركات الاهلية الاستثمارية واحتكارها للربح ولو على حساب الشعب.. وخلاصة القول ان الفلم فيه اشارة واضحة الى معالم المجتمع الرأسمالي اذ ان طبقات الاغنياء هم مثل مصاصي الدماء يعيشون على ارواح غيرهم من الفقراء بشكل بشع.
المفتاح الثاني: الانسان الامريكي الخارق: يعد هذا المفتاح من اقدم المفاتيح التي استخدمتها السينما الامريكية منذ زمن ظهور سوبر مان اذ يظهر الانسان الامريكي تفوقا غير معقول ويعطي فلم (حلقة النار) هذا المفتاح حيث يظهر الرجل الامريكي انسانا مغامراً يأبى الجلوس خلف الاسوار والقبول بالهزيمة المرة وهو على الرغم من كونه بذيء الاخلاق الا انه يتحول الى بطل منقذ في حالات الضرورة كما انه يحمل في داخله العميق روح الانسانية ومحبة شفافة ازاء اصحابه الذين ماتوا في المعركة كما ان فلم (سقوط الصقر الاسود) وفلم (معركة لوس انجلوس) امثلة اخرى على هذا المفتاح ان اظهار الجندي الامريكي بهذه البسالة فيه مبالغة واضحة فالجنود الامريكيون اثبتوا عكس ذلك في العديد من المعارك واحداث الحربين اليابانية والفيتنامية افضل شاهد على ذلك ولا يفوتنا ان نذكر ان احد اهداف هذه الافلام تربية الشباب الامريكيين على روح المغامرة والبطولة في الجيش ومن ثم تعبئتهم لمعارك حقيقية في المستقبل.
المفتاح الثالث: نظرية التطور الطبيعي: تعد نظرية (تشارلز دارون) للتطور من اهم الوسائل التي استغلت للتمويه عن عقول الناس حول وجود هذا الكون وعلى الرغم من ان الكثير من حلقات هذه النظرية كادت ولكن نجدها قد اخذت حيزا واسعا من الدعاية والاعلان ومن المؤكد ان ذلك يهدف الى تكريس الصراع المحتدم بين المسيحيين والملحدين في العالم الغربي منذ زمن بعيد وهوليود دعمت هذه النظرية بكل ما اوتيت من قوة خذ مثالا على ذلك فلم (صعود كوكب القردة) الذي يظهر فيه اجراء تجارب مختبرية على شمبانزي وبالفعل يتمكن هذا القرد من محاكاة الانسان بل يتفوق عليه في الصراع من اجل الحرية وفي نهاية الفلم يظهر للقرد قابلية جدية على التحدث في اللغة الانكليزية.
المفتاح الرابع: لا يوجد خير كامل ولا شر كامل: في العديد من هذه الافلام نلاحظ ان بطل الفلم يمثل شخصا غير متزن اخلاقيا او فكريا كأن يكون مدمن خمر او قاتلا محترفا او خارجا عن القانون ولكنه في الوقت نفسه يمتلك جانبا خيرا يتيح له دور الريادة والبطولة في الفلم في تنافس واضح ليس له واقع واحد الامثلة الواضحة على ذلك فلم (الرجل الحديدي) فبطل الفلم مع انه كان من المترفقين المنغمسين في الملذات ولكنه في الوقت نفسه يتحول فجأة الى بطل خارق له استعداد منقطع النظير في التضحية بالنفس من اجل خير الاخرين وهذه الافكار تعطي انطباعا للمشاهد يقول لا بأس ان كنت تعاقر الخمر وتمارس المجون ففي داخلك يوجد بطل لا تدري متى يظهر ولكن في الواقع يقول ان استقامة الانسان تأتي من سلسلة مترابطة من الالتزام والصلاح ولا يمكن ان يقفز الانسان من الانحراف الى الاستقامة والعكس صحيح.
المفتاح الخامس: تشويه حقائق الديانات السماوية: لتشويه ثوابت الاديان السماوية حصة وافرة في سلسلة افلام هوليود نأخذ في ذلك على سبيل المثال لا الحصر فلم العارفون اذ يظهر هذا الفلم ان نهاية الخلق تكون بسبب طبيعي لتفجر الشمس والقضاء على الحياة في الارض ولكن هناك كائنات فضائية خفية ترعى الجنس البشري من الانقراض فتختار عينة من البشر لتنقلهم من الارض الى كواكب اخرى ليبدأ الناس حياتهم من جديد واخر مقطع من الفلم يظهر هبوط طفل وطفلة في الكوكب الجديد بعد فناء الارض ويتجهان نحو شجرة وافرة تمثل شجرة الحياة التي ذكرت في سفر التكوين.

إذن..! إن لعبة صناعة السينما في هوليود لا يقتصر دورها على التسلية بما يتناسب وحجم التمويل الضخم لإنتاجها، بل هي معدة كي تكون إحدي وسائل الحرب الناعمة وبث الإيديولوجية عبر الشريط السينمائي‏، وتجعلنا نفكر كما تريد ونري الحياة وفقا لمنظورها‏.. وتيقنت بعدها ان السينما التي تنتجها هوليود لهم فيها مآرب أخرى..!

نشرت في الولاية العدد 95

مقالات ذات صله