في السابق.. كانت الغاية الاساسية من انتاج افلام الرسوم المتحركة تتمثل بالتثقيف والتعليم، لأن هذا النوع من الاعلام يستهدف توجيه الطفل الوجهة التي يريدونها فهو بأمس الحاجة الى غذاء ثقافي يفجر طاقاتها ويجعل المجتمع يقطف ثمارها الصالحة.
ولكن في الآونة الأخيرة انحرفت مسيرة هذا الانتاج، وصارت الغاية التجارية تقف وراء انتاج الرسوم المتحركة، بحيث لم يعد يهتم كثيرا بالجانب التربوي، لذا فعند المقارنة بين الامس واليوم تجد ان افلام الرسوم المتحركة لها وجه جميل في الماضي.. ووجه قبيح في الحاضر.
في السابق كان السيناريو الخاص بالكارتون طويلا يعتمد اسلوب التسلسل والمنطقية في الاحداث بحيث يمثل رواية ادبية وانسانية قيّمة، السيناريو في الكارتون الحديث يمتاز بحبكة سريعة مضغوطة في حلقة واحدة فقط بحيث يشبه الأكلة السريعة التي تخلو من الفوائد الصحية.
كان الكارتون يعطي أهمية كبيرة للحياة الاسرية، فيجعل ابطال الافلام الكارتونية مرتبطين بجو العائلة ويتحركون داخل اطارها، في حين ان الكارتون اليوم يركز على الفرد خارج اطار العائلة بما يشجع على الانفصال عن نطاق الاسرة.
في السابق كانت الألوان والاشكال في الرسوم المتحركة ذات نمط هادئ ومحبب للنفس ومريح للعين، اليوم اصبحت الالوان ذات تباين عال ومعظم الشخصيات ذات اشكال غريبة تجعل النفس في حالة توتر والعين في حالة تحفز مستمر.
في الغالب كانت الشخصيات الكارتونية تعيش في جو من السلام والهدوء والاستقرار النفسي، في الحاضر تعيش الغالبية العظمى من الشخصيات الكارتونية حالة من التوتر وتتعامل مع اجواء مليئة بالغضب والخوف والعنف المفرط.
يمتاز الصوت والموسيقى في الافلام الكارتونية السابقة بمستوى عال من الحرفية والهدوء والتجانس، الصوت في الافلام الكارتونية الجديدة يمتاز بالصخب في الموسيقى مصحوبا بالصياح والهياج المستمرين.
في الرسوم المتحركة القديمة كانت العادات السيئة تمارسها الشخصيات الشريرة فقط، في الرسوم المتحركة الجديدة اصبح ابطال الكارتون الرئيسين هم من يمارس العادات السيئة بكثرة.
الغالبية العظمى من افلام الرسوم المتحركة السابقة تراعي الحشمة والادب وتحفظ الحدود بين الجنسين وتتجنب اثارة الغرائز الجنسية الكامنة في نفوس الاطفال، في حين اصبحت الغالبية العظمى من الرسوم المتحركة تحتوي على العديد من المحتويات ذات الطابع الجنسي والعلاقات المثيرة بين الجنسين.
كان اسلوب الدوبلاج في الاستوديوهات العربية يستخدم كلمات تشعر بالانتماء الديني كقول «السلام عليكم» وذكر اسم الله او كلمات دعاء له، ناشطون في جامعة ايجة التركية فحصوا اكثر من 5000 ساعة من الكارتون المدبلج للغة العربية حديثا فلم يجدو فيها لفظا واحدا يحمل اسم الجلالة.
تحتوي احداث المسلسلات الكارتونية سابقا على الكثير من المعاني الانسانية وتدعو الى مساعدة الاخرين وتشجع على القيم الخيرة والاخلاق الحسنة، كثير من المسلسلات الكارتونية اليوم لا تراعي الذوق او الاخلاق الحسنة وتتجاهل المعاني الانسانية وتشجع على الكثير من الافعال القبيحة.
أخيرا.. فإن زحمة المنتوج الاعلامي الذي دخلت حلبته اليوم شركات عديدة لغرض الربح التجاري انتج كمّا هائلا من الرسوم المتحركة، بحيث جعلت الطفل يتحول الى مجرد مشاهد بليد، لا يجلس امام الشاشة الا ليشاهد مناظر واحداثا متسارعة من دون ان تتاح له فرصة لكي يفهم ويحلل ويتذوق ما يشاهده.
نشرت في الولاية العدد 96