حسين فائق الدغيري
عندما تكون في الفضاء، تنبهِـر للوهلة الأولى بجماله، فضلا عن صفائه، لكنك سُـرعان ما تُـدرك بأنك أمام مشهد خادع».. ففي الواقع، هناك أكثر من 600 ألف قطعة من النفايات الفضائية التي تحوم حاليا حول الأرض على ارتفاعات مختلفة، لكن أغلبها في الطبقة السُّـفلى على ارتفاع 300-900 كلم، وتشتمل هذه المخلّفات على أجزاءمن (الأقمار الصناعية التي خرجت عن الخدمة، والشظايا الناجمة عن الرحلات الفضائية، والخلايا الشمسية، وحاويات الحمولات الفضائية، وبقايا الوقود الصّلب، الذي تجمّد بفعل الانخِـفاض الشديد في درجات الحرارة).. وغيرها، ومع تزايد كميات النفايات الفضائية التي تدور في مدار حول الأرض، ماذا سيحدث لو سقطت تلك المخلفات من السماء؟
المخلفات الفضائية (بالإنجليزية: Space debris أو Space junk) عبارة عن مجموعة من النفايات الناتجة من مخترعات الإنسان ومن بقايا الأقمار الصناعية السابحة في مدارات حول كواكب النظام الشمسي، ومنها ما زالت مخلفاته في مدار الأرض تسبح حولها. وتشمل هذه المخلفات أي شيء لم يعد له حاجة في الفضاء كقمر صناعي معطل أو أجزاء من الصواريخ الفضائية. وقد تكون هذه المخلفات صغيرة الحجم كقشرة من الأصباغ التي تطلى بها المركبات الفضائية.
تزايد القلق
يتّفق خبراء المِـلاحة الفضائية على أن الخطر الأكبر للرّكام والشظايا المتناثرة في الفضاء، ليس على الإنسان، باعتبار أنها سترتطم بالغِلاف الجوي وتحترق قبل وصولها إلى الأرض، وإنما على بعثات الفضاء والأقمار الصناعية، بسبب قدرة هذه الفضلات على التسبب بأضرار فادحة في هيكل المركبات الفضائية والأقمار الصناعية، فمعظم هذه الفضلات تسير بسرعة 8 كم/ثانية (ما يقارب 28800 كم/ساعة)، وبهذه السرعة يمكن لهذه الفضلات – مهما صغر حجمها – أن تخترق هيكل المركبات الفضائية وأن تشكل خطرًا على حياة رواد الفضاء، فجسم من المخلفات بحجم كرة التنس يسير بهذه السرعة يحمل قدرة تفجيرية توازي 25 إصبع من الديناميت، كما يقدر أن لجسم بحجم حبة البازلاء يسير بهذه السرعة قوة اصطدام تعادل جسم وزنه 181 كيلوجرام يسير بسرعة 100 كم/ساعة..
لاسيّما إذا ما عرفنا بأن هناك في الوقت الحاضر ما يقرب من مليون نفاية فضائية، أكبر من مليمتر واحد وحوالي 600 ألف نفاية أكبر من سنتمتر واحد وحوالي 16 ألف جِـسم يقارب ولا يزيد عن حجم كُـرة التنس.
ويحذر الخبراء من امكانية تضاعف هذه الاعداد بشكل مطّرد، ما يعني عدم التمكّن في المستقبل من وضع أيّ قمر صناعي في مداره، سواء أكان قمرا للأرصاد الجوية أو للملاحة الأرضية الخاصة بنظام الـ «جي بي اس GPS» أو للاتصالات السلكية واللاسلكية»..
أهم حوادث مخلفات الفضاء
تؤكِّـد الدراسات العلمية بأن النفايات الفضائية، التي أصبحت تشكِّـل مؤخَّـرا حرجا كبيرا للمجتمع الدولي، ترافقت مع بداية عصر الفضاء منذ عام 1957، حين أطلِـقت المركبة الفضائية السوفياتية «سبوتنيك»، ومنذ عهدها، وحتى الآن، أطلِـقت أكثر من 4700 مركبة ووُضِـع أكثر من 6 آلاف قمر صناعي في المدار الخارجي حول الأرض، غير أنه لم يبق منها قيْـد الخدمة، سوى نحو 800 قمر صناعي وتفجَّـر منها نحو 200 قمر اصطناعي. وكل عام، يتم وضع ما يُـعادل نحو 100 قمر اصطناعي جديد في الفضاء.
وتعدُّ التصادمات بين مخلفات هذه الأقمار من أهم اسباب هذه الحوادث؛ ففي تقرير لوكالة ناسا الفضائية عام 1991، حذرت من خطر التصادم المتسلسل للأقمار الصناعية، حيث المخلفات الناتجة عن تصادم جسمين فضائيين من المخلفات ذات الأقمار الصناعية ستؤدي إلى تصادم أعداد أكبر من الأجسام الفضائية. ولعل ما حذر به ناسا حصل في عام 2009 حيث اصطدم قمران اصطناعيان إحدهما أمريكي والآخر روسي، ونتج عن هذا التصادم ما بين 500 و600 جسم لا يتعدى حجم بعضها 10 سنتيمترات.
ولعل أحد أهم الحوادث التي أدت إلى تكوُّن العديد من المخلفات ما حصل سنة 2007 عندما اختبرت الصين صواريخ مضادة للأقمار الصناعية، أدى الى تكوين قرابة 2500 جسم (أصغرها بحجم كرة التنس) مازالت تسبح بالفضاء، ما يجعل هذا الاصطدام الحدث الأكبر في تكوين المخلفات الفضائية.. كما كان للاختبارات التي قامت بها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق إبان الحرب الباردة، بتجربة أكثر من 20 صاروخاً مضاداً للأقمار الصناعية، هما المسببان الأكبر للمخلفات الفضائية على مدى أكثر من 50 عاماً منذ التجربة الفضائية الأولى. علماً أنه مع ازدياد أعداد المخلفات الفضائية باتت تلك المخلفات تهدد سلامة المركبات والأقمار الفضائية وخاصة محطة الفضاء الدولية بشكل جدي. ففي عام 2009 تم إخلاء المحطة الدولية إثر اقتراب جسم فضائي بصورة خطرة منها، وقدر طول الجسم بثلث بوصة. لكن على الرغم من ذلك، كان لهذا الجسم قدرة تخريبية كبيرة من الممكن أن تهدد مستقبل المحطة الدولية التي تقدر قيمتها بنحو 100 مليار دولار.
دراسات للتخلص من هذه النفايات
هناك دراسات كثيرة وأفكار عديدة يتم تداولها للتخلص من نفايات الفضاء، منها دراسة تشير إلى إمكانية إرسال قمر صناعي تكون مهمته إدخال المخلفات الفضائية إلى المجال الجوي للأرض. وبهذه الطريقة يتم التخلص من الجسم الفضائي عن طريق احتراقه من شدة الاحتكاك بالغلاف الجوي.
وتبنى نظرية القمر الصناعي على إبطاء سرعة الجسم الفضائي باستخدام وسائل للربط الكهروديناميكي. كما أن هناك طرق أخرى يتم دراستها للتخلص من المخلفات الفضائية كاستعمال أشعة الليزر أو وضع مصدات تعمل على تغيير مسار الأجسام الفضائية غير المرغوب بها بحيث تدخل المجال الجوي للأرض.
وتقوم (ناسا) بتصميم المركبة الفضائية (أوريون) بحيث تكون مزودة بدرع واقي. ويتم اختبار هذا الدرع بقذف الدرع بأجسام ذات أحجام مختلفة لتصطدم به بسرعة تتراوح بين 7 و 8 كم/ثانية (25200 – 28800 كم/ساعة). ويتم تحليل المعطيات بواسطة الحاسوب كي يعطي صورة مقربة لما قد يحصل بالفضاء.
نشرت في الولاية العدد 96