مشكلة غياب القراءة.. وإستراتيجية الحل

اسعد فرج الله

في ظل تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية في العراق يبقى الكتاب قيد التهميش، وهذه ظاهرة باتت تعاني منها جميع البلدان، ولاسيما البلدان العربية، وقد لقي هذا الموضوع أهمية بالغة في مختلف الأوساط الثقافية، وتم تحديد العديد من العوامل والأسباب التي تقف وراء الابتعاد عن القراءة ومداولة الكتب والصحف والمجلات.

كثيرا ما يُعزى هذا الابتعاد الى تطور التكنولوجيا والمعلومات ووسائل الاتصال الحديثة، الا انه قل ما تتم ملاحظة الأسباب الأخرى، فالملاحظ ان تقنيات العرض المرئي ومواقع الانترنيت لا تخلو بطبيعة الحال من وجود الكثير من المدونات الثقافية، ومع ذلك فالمشكلة قائمة، من خلال قلة القراءة حتى في تلك المدونات.
اذن نحن أمام مشكلة ذات عوامل وأسباب متعددة منها:
– تتلاشى القراءة في غياب الوعي لكيفية القراءة، وهذه مشكلة جديرة بالاهتمام، فالوعي في القراءة يتضمن إتباع الخطوات العلمية في كيفية القراءة وتلك الخطوات متوفرة على مواقع الانترنيت تحقق استثمارا صحيحا في الجهد والوقت المبذول في القراءة.
1- غياب جودة المقروء، فالملاحظ – وبخاصة في العراق- وجود حركة نشر واسعة نسبيا، الا انها تفتقد التخطيط والدراسة لما بعد النشر، إذ يتم إصدار عشرات الكتب ذات تكاليف عالية من قبيل جودة الطباعة والتجليد، من دون مراعاة طبيعة القارئ فضلا عن سوء التوزيع الذي تشهده الكثير من المؤسسات الثقافية.
2- مشكلة اللغة, فتعد اللغة العربية مشكلة أساس في توسيع الفجوة من القارئ والمقروء, وهذه الفجوة تستدعي الخبرة في اللغة ومعرفة المفردات العربية.
3- عدم وجود الدافع, وهو أمر قد يستنكره بعضهم إذا ما لاحظ حجم الاستهداف للثقافة العربية والاسلامية, إذ مجرد الصراع بين الحضارتين الاسلامية والغربية يكفي ليكون دافعا للقراءة, إلا أن هذا الدافع بحد ذاته قد تلاشى مع الانصهار في الثقافة الغربية, وتكاد ينحصر هذا الصراع في مستوى النخبة فقط.
واقتصرت على ذكر هذه الأسباب لأنها في نظري من الأسباب المهمة والمتخفية في الوقت نفسه, فغالبا ما تُعزى مشكلة القراءة إلى القارئ من دون ملاحظة الجوانب الأخرى التي تشكل عنصرا مهما في حل مشكلة القراءة.
وفي ضوء المشكلات التي ذكرت يمكن أن نحدد بعض الاستراتيجيات التي من شأنها أن تنمي مستوى القراءة لدى مختلف الفئات, وهي:
1-إن لدراسة طبيعة القارئ دورا مهما في استقطاب القراء، فلابد من ان تكون المخرجات بمستوى تطلع القراء، وهذه المهمة تبدأ من اهتمام الكتّاب والمؤلفين بالدرجة الأولى، ليتم تقديم المقروء ضمن تشخيص دقيق لمشكلات الواقع وتقديم الحلول العلمية والموضوعية.
2- تحديد نوع المقروء ومدى الجودة المرجوة منه، ومن ثم تحديد الوسائل الفعالة في إيصال المقروء إلى القارئ، وهذه الوسائل لا يمكن ان تقف عند الكتب والصحف المطبوعة بل يجب ان تستثمر الوسائل المرئية في عرض المقروء، من دون أن تغفل المحفزات والمرغبات.
3-خلق عدة دوافع جديدة للقراءة, والبدء من أبسط المجالات, ومن أهم تلك الدوافع هو دافع تطوير الذات ليكون دافعا موضوعيا يصب في مصلحة الذات القارئة, لينطلق بها إلى تحقيق أهدافها على المستوى المعرفي والوجداني والمهني, لأن الذي يتبادر إلى الأذهان وخصوصا لدى المجتمع العراقي أن القراءة لا تخرج عن الإطار الديني أو السياسي, على حين أن المجالات الأخرى في تزايد مستمر, وبات العلوم في تكثر مستمر اتساع حركة التخصص في شتى مجالات المعرفة.
4-يمكن تجاوز مشكلة اللغة من خلال اعتماد صياغات تعبيرية قريبة من فهم القارئ, ويتم ذلك من خلال وعي القارئ وتصنيفه, والميل إلى التخصص في تقديم المقروء, لأن المقروء بمستوى الخطاب له مخاطَبون, وبالتالي لا بد من تصنيف هؤلاء المخاطَبين على أساس التخصص, ويتم تقديم الخطاب بحسب نوع المخاطَب.
إذن يمكن وضع لائحة من الاستراتيجيات لتفعيل القراءة في الواقع العراقي، تتبناها مؤسسات المجتمع المدني بالتعاون مع مؤسسات الدولة، من خلال عقد ورش عمل متخصصة في هذا الجانب، ضمن خطوات مدروسة، تضمن تفعيل القراءة للأجيال القادمة على اقل تقدير.

نشرت في الولاية العدد 114

مقالات ذات صله