السيدة زينب عليها السلام.. المضحية الصابرة

عبد الحسن الشافعي

الحوراء زينب هي النجم اللامع والنور الطالع والحق الساطع وزهو الحكمة ويراع الثورة ونبع المحبة والبسالة ضد الظلم والظلمة، ورثت الوقار والعظمة من جدتها خديجة سلام الله عليها، وبلاغة ابيها علي عليه السلام، وحيائها وعفتها من أمها الزهراء عليها السلام..
سطرت في واقعة الطف اروع صور التضحية في سبيل إعلاء كلمة الحق، إذ أكملت ثورة أخيها الإمام الحسين عليه السلام بإصرارها وصبرها وزلزلت وبعثرت عروش الطغاة بخطبتها المشهورة في مجلس الطاغية يزيد.

الولادة الطاهرة:
ورد في حديث السير أن لأمير المؤمنين عليه السلام اثنتين أو ثلاث بنات مسميات بـ(زينب)، فزينب المعروفة ببطلة كربلاء هي زينب الكبرى وأختها التي من أمها فاطمة عليه السلام، هي زينب الصغرى والمعروفة بأم كلثوم.
اختلف الرواة في تاريخ ولادة زينب الكبرى عليها السلام فقد قيل في مطلع جمادى الأول من السنة الخامسة للهجرة، ومطلع شهر شعبان من السنة السادسة للهجرة بعد أخويها الحسن والحسين، ولكن المشهورة هو الخامس من شهر جمادى الأولى من السنة السابعة للهجرة.
عندما ولدت السيدة زينب جاءت بها أمها الزهراء عليها السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقالت: سم هذه المولودة , فقال: ما كنت لأسبق رسول الله صلى الله عليه وآله, وكان في سفر له, ولما جاء النبي وسأله الإمام علي عليه السلام عن اسمها؟ فقال: ما كنت لأسبق ربي تعالى, فهبط جبرائيل يقرأ على النبي السلام من الله الجليل وقال له: سم هذه المولودة زينب, فقد اختار الله لها هذا الاسم, ثم أخبر جبرائيل النبي بما يجري عليها من المصائب, فبكي النبي صلى الله عليه واله وقال: من بكى على مصاب هذه البنت كان كمن بكى على أخويها الحسن والحسين.
نشأتها؟
نشأت الحوراء في بيت العلم والمعرفة ومهبط الوحي والتنزيل فقد عاشت بين مدرسة النبوة والإمامة وتخرجت على يد تلك المدرستين، عاشت بين احضان خاتم الانبياء محمد صلى الله عليه وآله ووصيه علي ابن أبي طالب عليه السلام وأم أبيها فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين والحسن والحسين عليهم السلام سيدي شباب أهل الجنة، فخريجة تلك المدرستين يكفي أن تكون مثلا للمرأة المؤمنة الصالحة.

زواجها وأبناؤها:
تزوجت السيدة زينب الكبرى من ابن عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وولدت له علي وعباس وعون ومحمد وأم كلثوم، وقد استشهد كل من عون ومحمد مع خالهما الحسين عليه السلام بطف كربلاء.
والذي يلفت النظر ان زينب عليها السلام في واقعة الطف كانت متزوجة بعبد الله بن جعفر فاختارت صحبة أخيها على البقاء عند زوجها مع رضاه، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه ففعلا حتى نالا الشهادة سلام الله عليهما.

السيدة العفيفة:
روى يحيى المازني فقال: كنت في جوار أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة مدة مديدة, وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته, فلا والله ما رأيت لها شخصا ولا سمعت لها صوتا, وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله تخرج ليلاً والحسن عن يمينها والحسين عن شمالها وأمير المؤمنين أمامهم, فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين عليه السلام فأخمد ضوء القناديل, فسأله الحسن مرة عن ذلك؟ فقال: أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب.
ويروى ان الامام الحسين عليه السلام كان إذا زارته زينب يقوم إجلالاً لها ويجلسها في مكانه.

علمها سلام الله عليها ؟
علمها عليها السلام بحر لا ينضب، فهي ربيبة مدينة العلم النبوي، المعتكفة بعده ببابها العلوي، والمتغذية بلبانه من أمها الصديقة الطاهرة سلام الله عليها، وقد طوت عمرا من الدهر مع الامامين السبطين سلام الله عليهما يزقانها العلم زقا فهي من عباب علم آل محمد عليهم السلام وعباب فضائلهم كما قال عنها ابن أخيها علي بن الحسين عليه السلام: أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة، فللسيدة زينب عليها السلام مراتب خاصة في العلوم الدينية، أي أنها وبسبب حالاتها المعنوية العالية وخلوص نيتها وطهارة باطنها وصلت إلى مرحلة أصبح وجودها يفيض علماً وكمالاً، ذلك العلم الذي وصفه القرآن الكريم بالعلم اللدني الذي يختص به أولياؤه.

التضحية لإعلاء كلمة الله:
وقفت الحوراء زينب عليها السلام في وجه الظلم والظالمين – بعد ان أسروها اثر مقتل اخيها الحسين واهل بيته عليهم السلام في واقعة الطف – وقفة يذكرها التاريخ كوقفة امها فاطمة الزهراء عليها السلام عندما هجموا على دارها، وعندما اغتصبوا الخلافة من علي عليه السلام، فكما ان الام شاركت زوجها وإمامها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في مهمة إبقاء الدين، إذ قدمت نفسها ضحية ودمها ومحسنها قربانا لدين الله ليبقى الإسلام عزيزا مكرما، فكذلك البنت شاركت أخاها وإمامها الإمام الحسين عليه السلام وقدمت دم ولديها ونفسها لتسير في موكب السبي من كربلاء الى الكوفة ومنها الى الشام لتبلّغ وتهز عروش الظالمين في خطاباتها التي القتها في قصورهم ومجالسهم فأوصلت اهداف الشهادة الى العالم اجمع، وصانت نزاهة الإسلام، حفظت قدسيته وطهارته من فضائح الطلقاء وأبناء الطلقاء، ولولا مجالدتها وتحملها في سبيل الله ما تحملته من البلايا والرزايا والمصائب والمحن لأبطل بنو امية دم الإمام الحسين(عليه السلام) ومحو أثره، ولاستطاعوا بعد ذلك قلع جذور الإسلام والقضاء عليه.

وفاتها وموضع قبرها:
بعد ما عانت السيدة زينب عليها السلام من آلام الفراق والحزن، حان الأجل الموعود للقاء رب الملك والملكوت، فأسلمت روحها الطاهرة في الخامس عشر من رجب عام اثنين وستين للهجرة، ودفنت في سوريا بمدينة دمشق التي تسمى اليوم بمدينة السيدة زينب عليها السلام إذ يؤمها الزائرون من أنحاء العالم شتى.

نشرت في الولاية العدد 102

مقالات ذات صله