قبس من حياة الإمام الهادي عليه السلام

الشيخ بدري البدري

الإمام علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر، هو عاشر الأوصياء المعصومين (عليهم السلام) المفترضة مودتهم وطاعتهم من أبناء سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله), ورابع الأئمة المسمى بـ(علي)، وهو رابع من يُكنى بأبي الحسن من بين الأئمة الإثني عشر ولكنه على لسان والرواة يعرف بأبي الحسن الثالث.

نسبهُ (عليه السلام)
هو من أكرم بيت وأشرف نسب عرفه ولد آدم فهو النقي ابن الصابر ابن الوفي بن الصادق بن السّيد بن السّجاد بن الشهيد بن حيدر بن عبد مناف.
أُمهُ (عليه السلام)
المعظمة الجليلة أمُّ ولد يقال لها سمانة المغربية وفي (الدر المنثور) تعرفُ بالسيدة, وتكنى أمّ الفضل ويُروى عن الإمام الهادي(عليه السلام) قوله في أمه: أمّي عارفة بحقي وهي من أهل الجنّة, لا يقربها شيطان مارد ولا ينالها كيد جبّار عنيد, وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام, ولا تختلف عن أمهات الصديقين والصّالحين (مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج 4 ص 400 ـ401).

ألقابهُ (عليه السلام)
كان (عليه السلام) يُعرف بألقاب كثيرة أشهرها النقي وهي صفة مشتقة من النقاوة أيّ الطهارة والخلوص, والهادي صفة كريمة مشتقة من الهداية أيّ الإرشاد, ومن ألقابه النجيب والمرتضى والعالم والفقيه والأمين والمؤتمن والطيِّب والعسكري وكان يعرف أيضاً بالمتوكل، ولما كان طاغية عصره يلقب بالمتوكل منع(عليه السلام) أصحابه عن تعريفه به.
بعض صفاته (عليه السلام)
كان أطيب النّاس بهجة وأصدقهم لهجة وأملحهم من قريب وأعملهم من بعيد، تعلوه هيبةُ الوقار وإذا تكلم سماه البهاء وهو من بيت الرسالة والإمامة, ومقّر الوصية والخلافة.

نشأتُهُ وولادتُهُ (عليه السلام)
نشأ الإمام الهادي(عليه السلام) في قرية (صِريا) من ضواحي المدينة المنورة, وأحبُ المدن إلى أهل البيت(عليهم السلام) مدينة جدهم(صلى الله عليه وآله) حيث أنوار الرسالة ومنازل الذكر والتنزيل، وإنما فرقهم جور الطغاة وكيد الظالمين إذ أَشخَصَ المتوكل العباسيُ الإمامَ أبَا الحسنِ الهادي من مدينة جده إلى سُرَّ من رأى على إثر وشاية من والي المدينة(عبد الله ابن محمّد) فكتب المتوكل إليه كتاباً يدعوه فيه إلى حضور الإمام, وبعث (يحيى بن هرثمة) ثلاثمئة رجل لإِشخاصه من طريق البادية, وقد رأى (يحيى) منه (عليه السلام) في أيّام مصاحبته كرامات.
كانت ولادته (عليه السلام) في الثاني من شهر رجب ـ على رواية ـ وقيل الخامس منه, على رواية أخرى في الخامس عشر من شهر ذي الحجة سنة ـ 214 من الهجرة .
من مواعظه (عليه السلام)
1 ـ السهر ألذ للمنام والجوع يزيد في طيب الطعام.
وهذا تعريض بكراهة كثرة النوم وكثرة الأكل الذين هما من أهم أسباب البلادة وجمود الفكر والكسل وقد جاء في الحديث: نعم الإدام الجوع.
2 ـ من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه.
والمراد بالرضا عن النفس هنا الإعجاب بها وهو ما يؤدي إلى التكبر والإستعلاء على الناس, وذلك يجلب كره الناس وابتعادهم عنه وسخطهم عليه.
3 ـ المصيبةُ للصابرِ واحدةٌ وللجازعِ إثنتان.
وهي دعوةٌ بالتزام فضيلة الصبر, وأن الصابر يحصل على الأجر والثواب من الله في الآخرة , أما الجازع فإنه يُذهبُ أجرَه وثوابَه بجزعِه والمصيبة هي عينها لا تزول ولا تتحول بالجزع وإنما يضاف إليها مصيبة ثانية وهي سخط الله وذهاب أجره, ثم إن في الصبر مواساة للصابر وتسلية في مصيبته.
4 ـ النّاس في الدنيّا بالأموال وفي الآخرة بالأعمال
فأكثرُ همِّ أهلِ الدنيا الأموال, فبها يتمايزون وبوفرتها يتفاخرون, أما في الآخرة فالمقاييس تختلف كلياً فاعتبار الإنسان وتوقيره من خلال أعماله الصالحة وبها يكون الفوز في جنة الآخرة ونعيمها.
5 ـ الدنيا سوق ربح بها قوم وخسر آخرون
فالدنيا مضمار للآخرة, ومحل للمرابحة فمن كان عمله الصالحات من الأعمال وهمه الاستزادة منها فقد ربحت تجارته وفاز في آخرته, ومن ضيع فيها جهده ولم يأتِ بأعمال البر فيها فقد أخطأ حظه وخسر آخرته.
6 ـ شَرُّ الرزيةِ سوءُ الخلق
سوء خلق المرء مصيبة عليه لأنه يفقده هيبته ويسقط توقيره ويخسر رضا ربه ورحمته.
7 ـ من هانت عليه نفسه فلا تأمن شرَّه.
فلا يكون له رادع منها فيأتي بكل ما تملي عليه رغباته وشهواته فاحذره فإن الشرَّ منه متوقع .

أولاده (عليه السلام)
ذكر المؤرخون أن للإمام الهادي (عليه السلام) خمسة أولاد ذكوراً وإناثاً, الأول هو ابنه الإمام الحسن العسكري(عليه السلام), والثاني هو الحسين وكان سيداً جليل القدر عظيم الشأن معترفاً بإمامة أخيه الإمام العسكري, والثالث هو محمد وهو اكبر ولد الإمام الهادي(عليه السلام) وهو سيد جليل القدر عالم عارف مشهور الكرامات له مزار معروف في منطقة (بلد) التي تبعد بضعة فراسخ عن مدينة سامراء, والرابع هو جعفر المعروف بالكذّاب وهو الذي نازع أخاه العسكري (عليه السلام) في الإمامة وادعاها لنفسه كذباً وزوراً, والخامسة عليّة وهي البنت الوحيدة للإمام (سلام الله عليه).

شهادتُه (عليه السلام)
قُبض (عليه السلام) مسموماً بسُرَّ من رأى في يوم الاثنين الثالث من رجب سنة 254 هـ, وهو ابن أربعين سنة وقيل : ابن اثنتين وأربعين, وكانت مدة إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة وأشهراً، شهدت مدةُ إمامته ستةً من خلفاء الجور فقد أدرك بقية ملك المعتصم ثم ملك الواثق ثم ملك المتوكل وهلاك المنتصر, ثم ملك المستعين, والمعتز الذي كانت شهادته على يده .
وخرج أبو محمد الحسن العسكري(عليه السلام) في جنازة أبيه الهادي(عليه السلام) وقميصه مشقوق وقام بتجهيزه وقد صلّى عليه ودفنه.
وسُمعت في جنازته جارية تقول: ماذا لقينا في يوم الإثنين قديماً وحديثاً, أشارت الجارية بهذه الكلمة إلى يوم وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) وأخذت الجارية هذه الكلمة أيضاً عن عقيلة الهاشميين زينب بنت أمير المؤمنين(عليهما السلام), في ندبتها الإمام الحسين(عليه السلام) بأبي من أضحَى عسكره يوم الإثنين نهباً.
وأُنشِدَ في رثاء الإمام الهادي (عليه السلام):
أتقتل يا ابن الشفيع المطاع           ويا ابن المصابيح ويا بن الغرر
ويا ابن الشريعة ويا ابن الكتاب        ويا ابن الرواية وابن الخبر
فسلام على عاشر الأئمة من نسل خير البشر يوم ولد مباركاً ويوم عاش مُضيقاً عليه ويوم راح لربه شهيداً ويوم يُبعث شاهداً وسعيداً .

نشرت في الولاية العدد 104

مقالات ذات صله