ولادة النور الحسيني

الشيخ بدري البدري

 في اليوم الثالث من شهر شعبان المبارك السنة الثالثة أو الرابعة من الهجرة الشريفة ولد سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وريحانته وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وأحد الأنوار الخمسة التي سراجها الأعظم نبينا محمد (صلى الله عليه وآله).  ومنه شعت أنوار أهل بيته تلك الصفوة المباركة، ونور الحسين (عليه السلام ) كونه من نور جدِّه النبي ونور جدِّه منه كما في حديث المصطفى(صلى الله عليه وآله): (حسين مني وأنا من حسين).

في حجر الرسول (صلى الله عليه وآله)
لما حملت الزهراء (عليها السلام) بالحسين (عليه السلام) قال لها النبي (صلى الله عليه وآله ) إني أرى في مقدم وجهك ضوءً ونوراً وستلدين حجة لهذا الخلق(1).
وقالت (عليها السلام): إني لما حملت به كنت لا أحتاج في الليلة الظلماء إلى مصباح فخصوصية نور الحسين (عليه السلام) أنه يظهر على النور أيضاً.
وبعد ولادته المباركة كان أول محل حلَّ فيه بين يدي جدِّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) إذ كان واقفاً على باب الحجرة ينتظر ولادته فلما سقط ساجداً لله نادى النبي (صلى الله عليه وآله): يا أسماء هلمي بإبني.
فقالت: إننا لم ننظفه بعد، فقال: أنت تنظفيه! إن الله قد نظفه وطهره، فأتت به إليه في خرقة من صوف فأخذه بيده ونظر إليه وبكى وقال: عزيز علي يا أبا عبد الله، وبعد ذلك كان محَالُّه كتف جبرائيل(عليه السلام) وعلى عاتقه تارة أخرى، وكتف النبي تارة، وظهره، وصدره أخرى، وعلى يده رافعاً له ليقبِّل فاه، ورافعاً له ليريه الناس أخرى ويصعد على ظهره وهو ساجد، وعلى يدي علي وهو يمسكه والرسول يقبله.

من صفاته (عليه السلام)
لسيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) مناقب وفضائل يصعب حصرها وعدها، لكننا نأخذ من سيرته الكريمة بعض من صفاته رجاءَ القربة إلى الله عز وجل.

أبي الضيم
من معاني الإباء الرفض، وهو معنى مشكك كما في علم المنطق فالناس فيه مراتب متفاوته.. وأكرم صور الإباء الرفض، وأنبله رفض الظلم والظالمين والركون إليهم، وكثير من الناس وقفوا ضد طغاة وحكام زمانهم فمنهم من رفض الإنقياد، ولاغاية له من وراء ذلك، ومنهم من اعترض على أصل وحجة حكم أولئك الجائرين على الناس وسلبهم مقدراتهم، ولم يسع للتغيير، ومنهم من رأى الصورة السوداوية التي تعيشها الأمة مع ركون الكثير من أبنائها لحكام الجور وسكوت الآخرين عن تغيير واقع الظلم والحرمان، من أولئك برز صفوة من الناس همهم العدالة وتحقيق المساواة بين أفراد المجتمع ولم يطلبوا من وراء ذلك أجراً فغايتهم الله جلَّ وعلا، وهؤلاء هم كرام الناس وأحرارهم إن عاشوا كانوا خيرة الناس وإن ماتوا كانوا سعداء شهداء، وهم قلة في كل أرض وزمان.
بين هذا الركام الهائل من ظلم الظالمين وإفساد المفسدين واستحواذ ثلة جائرة سارقة على أقوات الناس واستعبادهم مابين من باع نفسه لهم بثمن بخس وبين منزوع من السلاح والقوة والقدرة مهدد بها، نهض إمام الناس ومحيي الدين ومجدده ومعيد صورته بعد تشويهها وسيد التغيير وقائده ورمزه منذ نهضته حتى انتهاء أيام الدنيا، قام سيد الشهداء بثورته وراحت تسقط رؤوس الطغيان وممالك الجور بفضل عطائه وتضحيته وإخلاصه وبقي هو (عليه السلام) خالداً ومن معه، إن وقع منه جسم فقد أقام الدين كله وإن حرم من الحياة فقد أحيا أمماً محرومة من أبسط مقوماتها.
لم ولن يرض إمامنا الحسين (عليه السلام) بأي صورة من صور الظلم، فرفض حكم الظالم الفاسد الفاسق الجائر الجاهل المنتفع، ورفض العيش تحت سلطته وجبروته، وهو يرى حرمان الناس من أدنى أسباب العيش الكريم.
فكان أبيَّ الضيم حقاً وهو له نعت خاص، إذ قال (عليه السلام): لما أرادوا منه النزول على حكم يزيد: لا والله لا أعطي بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد.
فأبو عبد الله الحسين (عليه السلام) هو من سنَّ الإباء، وأباة الضيم في كل أرض وآن يتأسوا به.

شجاعته(عليه السلام)
الشجاعة بحد ذاتها صفة الأبطال الأفذاذ، وشجاعته (عليه السلام) لها نعت وكيفية خاصة، ولذا قيل: الشجاعة الحسينية فقد ظهرت منه يوم الطف أروع صورة من الإقدام والشجاعة، مع ما المَّ به من مصائب فقد الأحبة والأنصار وبقاءه وحيداً، وقد اجتمع عليه آلاف من الأعداء وهو يشد عليهم فينهزموا من بين يديه كما تنهزم قطعان الغنم إذا شد فيها الذئب.

العبادة
له (عليه السلام) منها خصوصية، حيث أنه اشتغل بها وهو في بطن أمه، فكانت (عليها السلام) تسمع منه الذكر والتسبيح مروراً بمسيرة حياته الممحضة بعبادة ربه إلى رفع رأسه المبارك على رمح طويل حيث سمع منه الذكر وقراءة القرآن.

رِقَتُه (عليه السلام)
كانت له رقة خاصة على أهل الهموم والغموم حتى أنه دخل على أسامة بن زيد وهو محتضر ليعوده فتأوه أمامه وقال واغماه، فقال (عليه السلام) ما يغمك؟ قال: دينٌ علي، ستون ألف، فقال (عليه السلام): عليَّ قضاؤُه، قال أحب أن لا أموت مديوناً، فأمر(عليه السلام) بإحضار المال ودفعه إلى غرمائه قبل خروج روحه.

مؤاساته(عليه السلام) للفقراء والمساكين
فقد كان من سيرته حمل الصدقات إلى الفقراء والمساكين على ظهره الشريف، ورويَّ أنهم وجدوا في ظهره يوم الطف ثفنات وهي الآثار من حمل الزاد للفقراء، وفي هذا المعنى يقول راثي أبي عبد الله:
وإن ظهرا غدا للبرِّ ينقله
سراً إلى أهله ليلاً لمكسور

بعضُ ما خُصَ به (عليه السلام)
1 ـ تقول الزهراء (عليها السلام): كنت اسمع التقديس والتسبيح منه في بطني، وقولها: إني كلما نمت رأيت في منامي شخصين نورانيين يقرآن القرآن.
2 ـ عند ولادته أوحى الله إلى رضوان أن زخرف الجنان وطيِّبها كرامة لمولود ولد محمد (صلى الله عليه وآله).
وأوحى الله للحور العين بالتزيِّن والتزاور كرامة لمولود ولد محمد (صلى الله عليه وآله).
وأوحى الله للملائكة: قوموا صفوفاً بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير لكرامة مولود ولد محمد (صلى الله عليه وآله).
وأوحى الله إلى جبرائيل أن أهبط إلى نبيي محمد (صلى الله عليه وآله) في ألف قبيل والقبيل ألف ألف ملك على خيل بلق مسرجة عليها قباب الدر والياقوت معهم الروحانيون بأيديهم حراب من نور أن هنئوا محمداً (صلى الله عليه وآله) بمولوده.
3 ـ سمَّاه رب العزة بالحسين (عليه السلام).
4 ـ عاذ فطرس (وهو مَلَكٌ من الملائكة جرت معه كرامة من سيد الشهداء) بمهده.
5 ـ حرك مهده الملائكة وميكائيل.
6 ـ جعل الله جبريل يناغيه في المهد(2).
7 ـ قال تعالى لجبريل بعد تهنئة النبي بمولوده عزِّه وقل له إن أمتك ستقتله.
8 ـ الدمع الذي يسيل على مصابه من محبيه، الملائكة تجمعه وتدفعه إلى خزنة الجنان يمزجونه بماء الحيوان.
9 ـ المجالس التي تعقد لأجله لها حظوة عند الله تعالى.
10 ـ أعطاه الله مرتبة كبيرة وسامية من الشفاعة.
اللهم صل على محمد وآل محمد جميعاً وصل على سبطه الشهيد سيد شباب أهل الجنة يوم ولد مهنئة بمولده الملائكة ومعزية، ويوم عاش حميد الذكر، ويوم استشهد في كربلاء ضمآناً غريباً وحيداً، ويوم يحشر بين يديك مكرماً شاهداً وشفيعاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الخصائص الحسينية للتستري.
(2) الخصائص الحسينية للتستري.

نشرت في الولاية العدد 105

مقالات ذات صله